ترامب “وسيطا” في الأزمة القطرية !
غالب قنديل
الاتصالات التي أجراها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مناخ ما عرف بالأزمة القطرية شملت بصورة متكررة قادة كل من السعودية وقطر والكويت والإمارات وتركيا وتجاهلت واشنطن البحرين باعتبار نظامها ملحقا سعوديا بينما تولى وزير الخارجية ريكس تيلرسون الاتصال بنظيره المصري ورغم حرارة إشادة ترامب السابقة بالرئيس عبد الفتاح السيسي لم تشمله الاتصالات الساخنة.
أولا اطراف الأزمة جميعا من المحسوبين على المحور الأميركي في المنطقة والمنخرطين في مجابهة محور المقاومة مع تسجيل مفارقتين تركية ومصرية فأنقرة تحرص على علاقاتها بروسيا وإيران بعد انكساراتها المتلاحقة في سورية ولاعتبارات اقتصادية واستراتيجية تلاقي تفهما أميركيا باردا بينما تستمر محاولة التمايز المصرية المرتبكة والمتحصنة في حدود رفض الانخراط في التحركات الهجومية السعودية والقطرية التي تستهدف سورية واليمن إضافة إلى امتناع القاهرة وانقرة عن مجاراة واشنطن وحلفاءها في الخطاب المعادي لإيران بينما هما ثابتتان في العلاقة بالكيان الصهيوني برعاية اميركية.
يتبدى في هذه الخريطة الأميركية المشوشة ارتباك محور العدوان على سورية بعد الهزائم في خلفية الانقسامات المستجدة والتوازنات الدولية الإقليمية المتحولة ومن الواضح ان الرئيس الأميركي يسعى لاستعادة الحد الأدنى من تناغم المحور الأميركي وتسوية الأزمة بلا استعجال ليتاح لحكومته استثمارها ماليا واقتصاديا وكان من المثير للسخرية استعماله لتعبير “وحدة الصف العربي ” في الخليج.
ثانيا استثمر الرئيس الأميركي النزاع المتفجر منذ قمة الرياض ليقوم بما دعاه في حملته الانتخابية “حلب الأموال ” لتقاضي ثمن الحماية التي يقول بوضوح ان الولايات المتحدة تكفلت بها لإبقاء حكام الخليج في مواقعهم وهو يعتبر أن واشنطن هي التي مكنت هؤلاء الحكام وعائلاتهم من واردات مالية ضخمة في حقبة ارتفاع أسعار النفط ولم تتقاض حصتها ” العادلة ” في تقديره من تلك الأرباح الوفيرة وغير المسبوقة .
هكذا تعاملت الولايات المتحدة مع الأزمة القطرية بأسلوب تعليق جرس المزايدة في درجة القرب من الإدارة الأميركية والقدرة على استرضائها بين الحليفين السعودي والقطري فحصدت شركات صناعة السلاح الأميركية خلال الأسابيع القليلة الماضية صفقات ضخمة بالنتيجة مع كل من الرياض والدوحة وتم تثبيت واقع الاختلاف من قلب المنظومة التابعة للهيمنة الأميركية الصهيونية.
ثالثا ما يتردد من لغو في موضوع تمويل الإرهاب ليس سوى هراء خالص فتلك جريمة معلنة تمت بإشراف اميركي وبتورط من سائر دول الناتو ولا سيما بريطانيا وفرنسا وبشراكة مباشرة مع حكومات السعودية وقطر وتركيا والوقائع المعلومة والمنشورة دوليا تغني عن أي بيان ويمكن القول إن كلا من السعودية والإمارات تولت تحت الإشراف الأميركي جانبا من التسهيلات ومن مهام التمويل والرعاية لبعض الأجنحة في شبكات الإرهاب التكفيري بينما تولى الثنائي القطري التركي رعاية اجنحة اخرى وليس أدل على كون الصراع الجاري من قلب الانتماء إلى منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية أن قطر أكدت علنا تصميمها على مواصلة دورها في الحرب على سورية بعد أيام من العقوبات السعودية.
رابعا ما تريده واشنطن هو إدارة التمايزات داخل منظومة الهيمنة التابعة لها في المنطقة والحؤول دون المس بالمصالح والخطط الأميركية العليا في المنطقة والعالم .
ينبغي ان يوضع في الاعتبار ما يشير إليه بعض التقارير مؤخرا عن علاقة الموقف الأميركي الداعي للتسوية في الخليج بالسباق إلى الغاز والمنافسة المحتدمة مع الصين وروسيا وإيران في أسواق الطاقة النظيفة في العالم فأحد أهداف ترامب عدم السماح بدفع قطر إلى الحضن الإيراني اولا ثم إلى المحور العالمي الروسي الصيني استطرادا بتحويل منافستها مع السعودية إلى خطر وجودي ويقينا فإن القوات التركية التي حشدت على عجل إلى قطر حصلت كالعادة على الأذونات الأميركية والأطلسية قبل ان تتحرك بل وأخطرت بها مسبقا تل أبيب دون ادنى شك.
خامسا تحويل النزاع السعودي القطري إلى ملف تفاوضي تحت الرعاية الأميركية يضمن للرئيس الأميركي وفريقه استحلاب المزيد من العقود والصفقات والأموال كما يضع المنافسة بين الرياض والدوحة تحت السيطرة ويبقي تحت السيطرة نفسها اوراقا وأدوات تحرص المؤسسة الحاكمة الأميركية على الاحتفاظ بها كقوة احتياطية في المنطقة ومنها قناة الجزيرة والتنظيم العالمي للأخوان المسلمين.
اما الإرهاب فهو المنتج الأميركي السعودي القطري التركي الذي تلفظه المنطقة بقواها الحية التي فضحت السلوكيات الأميركية الملتوية والمشبوهة والأكيد ان جميع ما يتقاذفه المتورطون اليوم من اتهامات هو صحيح ويبقى أقل من الواقع الفعلي لما قدمته حكومات حلف العدوان الأميركي ماليا وعسكريا ومخابراتيا وإعلاميا لدعم داعش والقاعدة وسائر التشكيلات الإجرامية وحيث كان التورط القطري السعودي التركي متوازيا ومتزامنا تحت القيادة الأميركية الأطلسية المباشرة وبالشراكة مع الكيان الصهيوني والنظام الأردني والشاهد الحي قرب جبهة الجولان السوري.