تهديد ترامب لسوريا: لا تسألوا عن الخلفيات! صباح أيوب
لا يزال تهديد دونالد ترامب الأخير لسوريا المستند إلى «رصد تحضيرات لهجوم كيميائي» يطرح علامات استفهام حول أسبابه ومعانيه وتبعاته… هل الأمر جدّي أم أنها «الفوضى الدبلوماسية»؟
لمجرّد صدور بيان مؤلّف من ٨٧ كلمة عن البيت الأبيض يقول إنه تمّ «رصد تحضيرات لهجوم كيميائي من قبل النظام السوري» وأن «نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد وجيشه سيدفعان ثمناً باهظاً في حال نفّذوا الهجوم»، سارع بعض المسؤولين والمحللين الأميركيين الى تبنّي فرضية امتلاك النظام السوري أسلحة كيميائية، ليعود الحديث عن «إمكانية وجود مخزون كيميائي استطاع النظام السوري إخفاءه عن مراقبي الأمم المتحدة»، كما الحديث عن «الفرع ٤٥٠» التابع لـ«مركز الدراسات والبحوث العلمية» الذي «رصد الأميركيون تحركات مشبوهة لبعض العاملين فيه ممّن زاروا مواقع يشتبه باستخدامها لتصنيع أسلحة كيميائية».
لكن أسلوب تعميم الإعلام الأميركي السائد لما يصدر عن البيت الأبيض والتسليم به كحقيقة مهما كانت خطورة الأمر ودقّته (الأسلوب ذاته منذ كذبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل)، سجّل هذه المرّة بعض الحذر سببه غموض تصريح الرئيس دونالد ترامب وعدم تسريب البيت الأبيض معلومات واضحة حول أسباب البيان أو حول الخطوة التالية. لذا، كادت معظم المقالات الصحافية الأميركية تخلو، خلال الأيام الماضية، من أي معلومة واضحة تفسّر للرأي العام بعض جوانب الإعلان ــ التهديد وخلفياته. هكذا، بلَعَ الإعلام سيناريو البيت الأبيض كما هو، أي أن «نظام الأسد كان يحضّر لهجوم كيميائي… ثم تراجع بسبب تهديد واشنطن له».
لم يخفِ عدد من المسؤولين العسكريين «تفاجؤهم» بالبيان التصعيدي
رغم تسليم الإعلام الضمني، تضمّنت بعض المقالات تصريحات تطرح أسئلة كثيرة حول شكل بيان ترامب ومعانيه. إذ لم يخفِ عدد من المسؤولين العسكريين «تفاجؤهم» بالبيان التصعيدي وعدم درايتهم بظروفه أو أسبابه، الأمر الذي سارع البيت الأبيض إلى نفيه، مؤكداً عِلم البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية بالأمر. البعض قال إن معلومات خطيرة كرصد تحضير لهجوم كيميائي في خضمّ حرب مستعرة بين قوى متعددة «تبقى سرّية في العادة وتُرسل إلى المعنيين بالقنوات الدبلوماسية ولا تُكشف للعلن»، ليردّ آخرون أن «الرئيس الأميركي هو الذي يقرر ما هي المعلومات التي يريد كشف السرّية عنها وإعلانها». من جهة أخرى، ذكر بعض المسؤولين أن قضايا حساسة كهذه طرحت للنقاش الداخلي وفي مجلس الأمن قبل إصدار أي تهديد رسمي بشأنها، كما حصل في عهدي جورج بوش الابن وباراك أوباما، وهو ما لم يحصل هذه المرّة. بعض المعلّقين قالوا أيضاً إننا أمام «اختبار ثقة بين ترامب وأجهزة الاستخبارات التي شكّك الرئيس بعملها في قضايا سابقة عدّة واتهمها بالعمل ضده»، فيما رأى محللون أن كلّ ما تلى بيان البيت الأبيض من تشكيك واتهامات بين المسؤولين العسكريين والإدارة «أفقد اللحظة جدّيتها».
تصرّف ترامب الأخير، أضافه البعض إلى سلسلة التصرفات «المتسرّعة التي لا يمكن التنبّؤ بها» كما يُنتقد الرئيس منذ تسلمه الحكم. لكن النقاش حول التهديد الرسمي لسوريا تخطّى البحث في «أسلوب ترامب» وانتقل سريعاً إلى التقييم السياسي ــ الاستراتيجي لما صدر عن البيت الأبيض وتبعاته في عزّ حرب طاحنة بمواجهة دول كبرى كروسيا وإيران. معظم التقييمات لم ترحّب بفكرة استفزاز واشنطن لموسكو حتى في بعض الممارسات الميدانية التي سبقت بيان ترامب، والبعض حذّر من «تعميق انغماس الولايات المتحدة بالمستنقع السوري، رغم تصريحات رسمية بعدم وجود نيّة للتدخّل أكثر هناك والاكتفاء بمحاربة داعش».
«السعي لإنجاز مهمة طموحة ضد إيران والأسد والروس في سوريا هو أمر خطير ومتهوّر وغير ضروري لحماية مصالح أميركا الأمنية» يقول بوضوح مقال في مجلة «ذي ناشيونال إنترست»، ويعطي خمسة أسباب لذلك وهي: «أن واشنطن لا تستطيع وحدها القضاء على تنظيم داعش، وأنه لن يكون هناك وضع مستقرّ في سوريا حتى لو أزيح الأسد عن السلطة، ولأننا لا نريد حرباً مع إيران والمخاطرة بإلغاء الاتفاق النووي معها، ولأن التصعيد بوجه روسيا سيصعّب التوصل إلى أي اتفاق من شأنه أن يرسي استقراراً في سوريا والمنطقة بعد سقوط الرقّة، وأخيراً لأن مصالح الولايات المتحدة في سوريا ليست بأهمية مصالح خصومها هناك».
ماذا عن غموض التصريحات واعتماد المفاجأة في السياسة الخارجية إذاً؟ هل سيكون ذلك نهج إدارة ترامب؟ «أن تخمّن الحكومات الأجنبية باستمرار وتتساءل عن النيات الأميركية ولا تستطيع التنبّؤ بها لهو أمر جيّد وقد ساعدَنا كثيراً في المفاوضات» اعترفت مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هالي خلال شهادتها أمام الكونغرس أول من أمس، مشيدة بمنافع «أن تبقى الدول متأهّبة تجاه سياسات الولايات المتحدة الخارجية وخطواتها». بعد فوضى المعارك، يبدو أن واشنطن في عهد ترامب ستنتهج، أيضاً، الفوضى الدبلوماسية.
(الاخبار)