بقلم ناصر قنديل

ما بعد الموصل: مَن المنتصر؟

ناصر قنديل

مع دخول الجيش العراقي مسجد النوري الذي أعلن منه أبو بكر البغدادي قائد تنظيم داعش دولته قبل ثلاث سنوات، تُطوى مرحلة من تاريخ المنطقة لا تزال فصولها الباقية تنتظر الوقت لتُشطب من التاريخ والجغرافيا، حيث بقايا داعش في سورية والعراق قد يستغرقون قتالاً يمتدّ لنهاية العام، لكن في السياسة يمكن الجزم أن داعش المولود الهجين الذي شكّل نقطة تحوّل في حروب المنطقة وأمن العالم، وبشّرتنا واشنطن ببقائه لأكثر من عشر سنوات، واتخذته سبباً لتموضعها مجدداً في المنطقة وسعيها للتحكم بالجغرافيا السياسية والعسكرية، وخلط الأوراق والتحالفات ورسم الخطوط الحمراء، صار اليوم شيئاً من الماضي .

بزوال داعش سيزول مبرّر الوجود الأميركي في سورية والعراق وتنتهي مهمة التحالف العسكري للحرب على داعش، وللحرب على الإرهاب أشكال أخرى لا تحتاج الوجود العسكري في بلدين من عشرات البلدان يملك الإرهاب فيها خلايا نائمة وفاعلة أنشط من تلك الباقية في سورية والعراق، وبزوال داعش وتغطية الوجود الأميركي بذريعة الحرب، ستفقد الميليشيات الكردية التي منحها الأميركيون خصوصية عسكرية ووهم الانفصال، التغطية التي تتيح لها مواجهة خطر حرب تركية، ومواجهة اعتراض سوري، يتّجهان للتلاقي على وأد مشروع الدويلة قبل ولادتها، وتفقد «إسرائيل» فرصة التفاوض والمقايضة التي وضعتها واشنطن، بعنوان رأس داعش مقابل رأس حزب الله، وتلك التي حلمت بها الرياض بجعلها أبعد مدى، رحيل الرئيس السوري مقابل خلاص سورية والعراق.

لهثت واشنطن ومعها «إسرائيل» والسعودية لترتيب الأوراق بما يتيح إطالة مددأأمد الحرب، أو تغيير قواعدها، فكانت الغارات والضربات وكانت التهديدات والخطوط الحمراء، ورغم الخسائر التي تسبّبت بها والإعاقة التي رتبتها على طريق النصر، فإنّها لم تستطع لا منع الحشد الشعبي من إغلاق طريق الانسحاب على داعش نحو سورية من تلعفر والبعاج، ولا استطاعت منع الجيش السوري من إقفال طريق انسحاب داعش إلى البادية، ولا استطاعت منع فرص اللقاء بين الجيش السوري والحشد الشعبي عبر الحدود السورية العراقية، ولا تبدو قادرة بعد اليوم على منع أي من النتائج المحتّمة لمسار الحرب، ولو نجحت بالمزيد من الإعاقة والمزيد من الخسائر.

يبدو أنّ واشنطن تذهب لآخر أوراقها مع حليفيها «الإسرائيلي» والسعودي، وهي ممارسة التعطيل، ومنع الحل السياسي في سورية، الذي بدونه يفتقد النصر السوري الشرعية التي يحتاجها. فالسعي لتعطيل أستانة بمقاطعة الجماعات الواقعة تحت النفوذ الأميركي السعودي «الإسرائيلي»، واضح، والمشاركة من الجماعات التي تتبع لتركيا واضح بالمقابل، كعنوان لصفحة جديدة هي الربط بين الحرب على الإرهاب ومستقبل النصرة والدويلة الكردية، حيث يصطفّ الحلفان الروسي الإيراني السوري ومقابله الأميركي السعودي «الإسرائيلي»، على طرفين متقابلين وعلى تركيا وقطر الاختيار بينهما.

تبدو أمام سورية مراحل متدحرجة من الحلّ السياسي على إيقاع التطورات العسكرية، ترسيخ أستانة بدلاً من جنيف الذي تشترك واشنطن برعايته وبالتالي بتعطيله، وصولاً لشرعية إقليمية للنصر على الإرهاب وبداية الحلّ السياسي بحكومة وحدة برعاية واعتراف شركاء أستانة، وانتهاء بمحطة لا تزال معلقة في جنيف لن تنضج إلا بوقائع استرداد الجيش السوري سيطرته على الأرض السورية كاملة، بدءاً من الشمال والشرق من إدلب إلى القامشلي، ليقع الجنوب ناضجاً في حضن الدولة السورية وتقلع مسيرة جنيف ويلتحق الأميركي، مرغماً بقطار الحل السياسي والاعتراف بشرعية النصر، ما لم تنضج لدى إسرائيل نظرية حرب تضعها على طاولة الحلول الكبرى في المنطقة تستبق الحل في سورية، وتمنع مواجهة تحديات ما بعد النصر السوري ومخاطره، بتحمّل خسائر التسوية النائمة تفادياً لخسائر حرب مقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى