بقلم ناصر قنديل

واشنطن: حماية «إسرائيل» من حزب الله ببقاء داعش؟

ناصر قنديل

لعلها من أغرب الاستنتاجات وأوقحها التي تكشف عنها النخب الأميركية المحيطة بدوائر صنع القرار في إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتنتشر على مواقع مراكز الدراسات كخلاصات لورش عمل بحثية، ومن ثم في الصحف كاستنتاجات لمخاطر محتملة، وتتسرّب للصحف البريطانية وتنتشر عنها التحليلات، والمشترك بينها تسلسل في تناول المشهد الإقليمي يقول إن لحظة الرهان على إسقاط سورية ولّت إلى غير رجعة وأن الحضور الروسي والإيراني يضعان مقابل هذا الهدف حرباً شاملة لا قدرة لأميركا على الخوض في غمارها، وأن فرض معادلة جديدة في سورية تتحكم فيها أميركا عبر القوات الكردية شمالاً والقوات المقيمة في الأردن جنوباً، وتقاسم الحدود العراقية السورية بينهما قد سقط هو الآخر. فالمعركة المقبلة مع داعش صارت في دير الزور وليس في الموصل والرقة، والوزن الأكبر فيها سيكون للتحالف السوري الروسي الإيراني ومعهم حزب الله والحشد الشعبي. والقضية صارت هي الإجابة عن سؤال مَن سيرث تركة داعش؟

يقول المنطق ذاته والذي لا يصبح معمماً إلا لأن هناك مَن يريد له التعميم، إن مسارات التجاذب الأميركي مع روسيا حول السياسات الدولية تقول الكلمة الفصل فيه سورية وحربها، وإن مسارات الوضع في الشرق الأوسط الذي تبدو فيه تركيا قد صارت خارج الفلك الأميركي وصارت «إسرائيل» والسعودية في وضع حرج أمام أي نصر إيراني مقبل في سورية، وأي تصاعد في قوة حزب الله وتحرر له من أعباء القتال بوجه داعش وباقي أخواته، تقول لواشنطن إن عليها اتخاذ قرارها الآن وليس غداً، فالأزمة الخليجية تتفاقم وتحصد إيران وتركيا ثمارها. والحرب في سورية والعراق تشارف على النهايات، ومَن سيقطف ثمارها كما هو واضح روسيا وسورية وإيران وحزب الله، وأن زمن دفع الثمن الكبير من جانب السعودية و«إسرائيل» ومن ورائهما أميركا يقترب، والقرار الكبير ليس في سلوك طريق نهاية داعش بل في بقاء الحرب مفتوحة بلا منتصر ولا مهزوم، كلما بدا أن داعش يقترب من الهزيمة يجب التوجّه لضربات ضد سورية وحلفائها تحت شعارات من نوع الاتهام باعتداء كيميائي أو تمدّد على مناطق عمليات محرمة أو تهديد لقوات حليفة، لفرض إضعاف جبهات التقدم التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه، ويسوّق أصحاب هذه المعادلات لمقولة قوامها، إذا كان التهديد لم يفلح بمنع الجيش السوري والحشد الشعبي من مواصلة التقدم نحو الحدود السورية العراقية في البوكمال، وهي مفصل استراتيجي في الحسابات الأميركية. وإذا كان الأكراد عاجزين عن منعهما في وقت مناسب من الوصول، ببلوغ جنوب دير الزور والبوكمال قبل الجيش السوري، فلماذا نترك داعش يخسر البوكمال لحساب خصومنا؟ ولتكن المعادلة ما لا يخسره داعش لحسابنا وحساب حلفائنا نمنع سقوطه، وبقاؤه بيد داعش خير من انتقاله للخصوم.

ينتشر المنطق ذاته وتردده وسائل إعلام أميركية وتحلله وسائل الإعلام البريطانية. وقد كتب روبرت فيسك في الإندبندت مندهشاً، وهو يتساءل، هل نصدق أن واشنطن وداعش صارا في جبهة واحدة عملياً، عاجزَين عن النصر ولا يرغبان بالهزيمة، يبرر أحدهما حرب الآخر؟ وهي حرب مشتركة ضد سورية وحلفائها ومنع توحّد ترابها والسعي لتحويلها دولة فاشلة، لكن الكلمة المفتاح في هذا المنطق هي سؤال يطرحه اصدقاء «إسرائيل» المتحمّسون في دوائر القرار الأميركي، ماذا ستفعل واشنطن عندما تنتهي الحرب في سورية ويكون حزب الله قد صار على الحدود الجنوبية للبنان وسورية مزوّداً بأحدث الأسلحة والبنى التحتية العسكرية، وأي حرب معه تفتح باب استقدام مئات الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي وأنصار الله، وسيكون الضمور والتآكل قدر «إسرائيل» الحتمي تحت ضربات يديرها حزب الله داخل الأراضي المحتلة ولا تملك «إسرائيل» فرصة شنّ حرب، وسيكون وضع حماس قد تغيّر وحرب اليمن قد انتهت لصالح صمود وقوة أنصار الله، والسعودية منشغلة بتسابق قاتل بلا نهاية مع قطر التي يحميها سقف تركي إيراني، وأوروبا تسارع للانفتاح على سورية جديدة تنسق معها أمنياً بدافع هاجس عودة «الأبناء الضالين» وتتطلّع بإغراء روسي لنصيب من كعكة إعادة الإعمار وتسريع التخلص من جيش النازحين؟

الجواب الأميركي ليس مشوشاً بل شديد الوضوح، وهو الذهاب بإعاقة تقدّم الجيش السوري وحلفائه هو الأولوية الأميركية، ضمن قاعدة منع تسوية في جنيف أو أستانة، ومنع انتصار حاسم للجيش السوري وحلفائه على داعش وسائر الجماعات المسلحة جنوباً وشمالاً، ووضع الذرائع كلها على الطاولة، من التهديد باستعمال السلاح الكيميائي إلى التهديد بعدم دخول مناطق محرمة وصولاً للتهديد بعدم التصادم مع قوات حليفة للأميركيين وتعمل تحت لوائهم.

قرار روسيا وإيران وسورية وحزب الله هو رفع وتيرة التصدّي لإسقاط هذه الحلقة الجديدة من الإعاقة الفضائحية للحرب على داعش والانتصار على الإرهاب، مهما كان الثمن، ووضع واشنطن أمام الخيار الصعب، القبول بقواعد الاشتباك في تنظيم الحرب على الإرهاب، أو المواجهة الشاملة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى