الكيماوي مجدَّداً… ملجأ الفشل الأميركي فما المتوقّع فعلاً وردّاً؟ العميد د. أمين محمد حطيط
لم يحدث في تاريخ الصراعات المسلحة كذباً أو تلفيقاً بالحجم الذي اقترف ضدّ سورية ومحور المقاومة من افتراء وخداع وتلفيق. سلوك تعدّى الحدّ الممكن تصديقه، حتى أنّ البسطاء من الناس سخروا من أميركا وتلفيقها لقصة الكيماوي مؤخراً، والتي تختلف عن كلّ ما سبقها من أكاذيب ساقتها أميركا ومنظومة العدوان على سورية من سنوات ست ونيّف، وكأن مَن ساق الأكاذيب واختلق الأحاديث حولها نسي القاعدة الذهبية التي تقول بـ«إنّ أغبى الناس مَن استغبى الناس ».
نقول هذا الكلام في مناسبة إطلاق أميركا شائعة حول سورية مفادها «أنّ أجهزة الرصد الأميركية حصلت على مؤشرات تنبئ بأنّ الحكومة السورية وفي مطار الشعيرات تحديداً المطار الذي قصفته أميركا أيضاً في نيسان/ أبريل الماضي بذريعة الكيماوي المزعوم، حيث استهدفته بصواريخ «توماهوك» التي ضلّ نصفها طريقه واليوم تزعم أميركا بأنّ المطار ذاته يشهد حركة ونشاطاً غير عاديّين، من شأنه الاشارة الى أنّ هناك تحضيرات لاستخدام الكيماوي».
طبعاً، ورغم أنّ الكذبة الأميركية هذه المرة هي بحجم يمنع أياً كان، مهما كانت قدراته العقلية محدودة او متواضعة، يمنعه من تصديقها، لكننا ومن أجل الموضوعية فقط نسأل من أطلق هذه الكذبة الكبيرة، كيف يمكنه أن يميّز النشاطات التحضيرية التي تسبق القصف بالكيماوي عن سواها التي تسبق القصف العادي، سؤال قد لا يكون له إلا جواب واحد هو أنّ مَن يقوم بعملية التحضير هو من أبلغ واشنطن بها وحدّد لها الأهداف والتوقيت أيضاً. فهل سورية أبلغت أميركا بذلك؟ أو أنّ الشيطان الأميركي قادر على الغوص في الأذهان واستخراج ما فيها من أفكار وخطط؟
نطرح هذه الأسئلة على سبيل الاستخفاف والسخرية من الادعاء الأميركي، لنخلص بعدها الى طرح الأسئلة الجدية حول الموضوع، الأسئلة المتصلة بخلفية الاتهام وتوقيته والأهداف منه؟
ونبدأ بالإجابة انطلاقاً من الخلفية والتوقيت، حيث نجد أن أميركا أطلقت ابتداعها بعد ان:
فشلت في إقامة المنطقة الفاصلة في شرق سورية، وبعد فشل خطتها في توسيع مناطق خفض التصعيد حول درعا وبعد فشلها مع ربيبتها «إسرائيل» في إنشاء المنطقة الأمنية في الجولان، وفشل هجوم جبهة النصرة الإرهابية المدعومة «إسرائيلياً» من تحقيق أهدافه.
شاهدت تراكم الإنجازات العسكرية السورية من شمال سورية الى جنوبها مروراً بالوسط في تدمر ومحيطها واتجاه الجيش العربي السوري الى البوكمال ليعزز الانتصار الاستراتيجي الكبير الذي تحقق بالوصول إلى الحدود مع العراق وعناق القوات الوطنية العراقية والسورية في مشهد تحدٍّ للإرادة الأميركية.
شاهدت الرئيس بشار الأسد – وهذا مهم جداً من الناحية النفسية والمعنوية يصلّي صلاة العيد عيد الفطر السعيد في حماة، ويقوم مطمئناً بزيارة جريح من جرحى قوى الدفاع عن سورية زيارة عائلية في منزل متواضع خلع الرئيس على باب المنزل نعلَيْه احتراماً وتقديراً، وراقبته على متن طائرة حربية روسية في قاعدة حميميم في مشهد عنفوان وثقة بالنفس مؤكّدة.
وإضافة لما ذكر فقد أطلقت أميركا الادعاء قبيل التئام الاجتماعات في أستانة وجنيف، وهي ما سيُعقد في النصف الأول من تموز /يوليو المقبل، للبحث في شؤون ميدانية تتعلّق بمناطق خفض التوتر وشؤون سياسية تلمّساً لحل سياسي، وفي المكانين ليس في اليد الأميركية أوراق ضغط يمكن استخدامها تفاوضياً لتحقيق أهداف او مصالح لها في سورية.
ظروف كلها تعاضدت لتخرج أميركا من جلدها، وتدخلها في هستيريا وجنون دفعها لتلفيق هذه الأكذوبة ولتتخذ الكذبة ذريعة لعمل عدواني جديد تقول فيه إنها لم تتخلَّ عن الميدان السوري، وإنّها لم تقرّ بالفشل وإنه لم يحن الوقت للاعتراف بالهزيمة، لكل ذلك أطلقت تهديدها بعدوان جديد «إذا قامت سورية باستعمال الكيماوي».
وهنا لا بد من التذكير بأن الكيمياوي الذي استخدم أكثر من مرة في سورية كان استخدامه في المرات كلها على يد الجماعات الإرهابية المسلحة المحتضنة أميركياً، وكانت أميركا تمنع او تعرقل في كل مرة إجراء تحقيق نزيه وشفاف لتحديد الجهة المسؤولة، وكان آخر ما فعلت هو منعها التحقيق حول مجزرة ادلب التي لفقت أميركياً كما بات واضحاً. فسورية لم تستعمل الكيماوي يوماً، وهي الآن وفي هذا الظرف بالذات أكثر بعداً من أي وقت مضى عن هذا الأمر، ففضلاً عن قرارها الاستراتيجي بعدم الاستعمال أصلاً هي الآن لا تملك هذا السلاح. وهي في وضع مريح في الميدان لا يحملها على البحث عن أسلحة غير تقليدية لتحقيق الانتصار.
ويبقى الأهم في الموضوع كله الآن هو السؤال عن أهداف أميركا من تلفيقها وتهديدها، وما الذي ستفعله بعد كذبتها؟ وما هو الرد عليها في أي سلوك؟
نرى أن أميركا تريد من تلفيقها هذا تحقيق واحد أو أكثر من الأهداف التالية:
إثبات الوجود القوي في الميدان والقول إنها لم تهزم وإنها قادرة على التدخل العسكري في الحدود التي ترسمها لنفسها.
إبلاغ رسالة ضغط وترهيب لسورية وحلفائها من أجل وقف الاندفاعة العسكرية في الميدان والتوقف عن تحقيق الإنجازات الاستراتيجية.
رفع معنويات الجماعات الإرهابية المنهارة امام اندفاعة سورية وحلفائها، معطوفة على تلبية رغبات خليجية تطالب أميركا بالتدخل المدفوع الثمن لمنع الرئيس الأسد من الانتصار النهائي.
أخيراً تبغي أميركا امتلاك أوراق تفاوضية تستعملها على أي طاولة تفاوض يعني المسألة السورية. هذه هي الأهداف فما هو الممكن أميركا؟
بداية نستبعد كلياً أي عمل عسكري أميركي جذري شامل يترجم غزواً لسورية، وقد كان وزير الدفاع الأميركي واضحاً في هذا الشأن برفضه كلياً الانزلاق الى الميدان السوري والاشتراك على حد قوله «بالحرب الأهلية في سورية». وبعد هذا يبقى احتمالان، يتضمن الأول عملاً عسكرياً محدوداً من قبيل القصف الانتقائي الذي لا يحدث تغييراً في المشهد، ويكون الثاني ببلع اللسان ونسيان التهديد، والقول بأن سورية رضخت للتحذير وامتنعت عن استعمال الكيماوي وتسجل أميركا لنفسها نصراً مجانياً. وكلا الاحتمالين الأخيرين متساويان في الدرجة بنظرنا. فكيف تعامل وسيتعامل معسكر العدوان مع الموقف؟
هنا نتوقف أولاً عند الموقف الروسي الذي سارع لتسخيف الادعاء الأميركي والتحذير من أي حماقة يمكن أن تُرتكب. وقد كان التحذير الروسي من طبيعة خاصة هذه المرة حمّل فيه الأميركي المسؤولية عن العواقب التي قد تنجم نتيجة ارتكاب أي حماقة، ما يمسّ بالوضع الميداني وبالعملية السياسية معاً.
أما سورية ومحور المقاومة فقد اتخذوا من المواقف للتعامل مع أي حماقة أميركية بما يقتضي، حرصاً على المكتسبات وتحقيقاً لأهداف الحرب الدفاعية التي خاضوها بنجاح كلي، ووصلت الآن الى مرحلتها الأخيرة، وبالتالي لن يغيّر التهديد الأميركي كما العدوان، إن حصل، شيئاً في الخطط الموضوعة ولن يعدّلا شيئاً في نتيجة المواجهة التي حسمت، وما كتب من انتصار لمحور المقاومة قد كتب ولن يُمحى أي حرف منه، وسيكون الادعاء الأميركي الجديد الأسخف في سلسلة الأكاذيب الأميركية وسيكون العدوان المحدود إن حصل هو الأفشل في حلقات العدوان الأميركي.
(البناء)