استراتيجية «الردع» ادخلت نصرالله كتاب غينيس للارقام القياسية ابراهيم ناصرالدين
الهدوء على «الجبهة الداخلية» بعد اقرار القانون الانتخابي الجديد، اعطى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله دفعا مهما لاطلاق «رسائله» الاقليمية والدولية في خطابه الاخير، معيدا تذكير الجميع وفي مقدمتهم اسرائيل انه يقف على ارض صلبة في الداخل، تخوله مراكمة قدرات المقاومة «الردعية» و«الهجومية»، ومن هنا جاءت «المعادلة الجديدة» بـ«فتح الاجواء لعشرات الالاف بل مئات الالاف من المجاهدين والمقاتلين من انحاء العالم العربي والاسلامي ليكونوا شركاء في المعركة ضد اسرائيل، من العراق ومن اليمن ومن ايران وافغانستان ومن باكستان»… طبعا الاعلان عن هذه الاستراتيجية ليس عبثيا ما يطرح السؤال عن اسباب الافصاح عنها في هذا التوقيت؟؟
اوساط معنية بهذا الملف تشير الى ان اسرائيل بتقاريرها الاستخباراتية الاسرائيلية تقر بان تهديدات السيد حسن نصر الله لإسرائيل جدية للغاية ولا احد في دوائر القرار العسكرية، والامنية، والسياسية، يتعامل باستخفاف معها او يقلل من قدرات الحزب، هناك اقرار وقناعة بان الحد الادنى من الصواريخ الموجهة الى اسرائيل يبلغ 120 ألف صاروخ منها نحو 70الف بالغ الدقة وشديد التدمير، والمواصلات الجوية والبرية والمائية في اسرائيل معرضة للخطر، كذلك حقول الغاز والوقود والامونيا في ميناء حيفا وهي ستشتعل في اي حرب مقبلة، وفي احدث الدراسات الامنية الموثقة عبر تقارير استخباراتية، فان الطائرات الحربية الاسرائيلية لن تكون بعيدة عن الاستهداف بعد وصول صواريخ ارض-جو متطورة روسية الصنع وكذلك صواريخ ايرانية متطورة… لكن في المقابل تعترف اسرائيل بان السيد نصر الله، استطاع دخول كتاب «غينس» من خلال تسجيل اطول فترة ردع بين حربين أمامها… 11 سنة ليست بالامر السهل وهو نجح بذلك بفضل استراتيجة ممنهجة في «تقسيط» تهديداته الرادعة، ففي كل مرة يفاجئ نصرالله اسرائيل بقوة ردع جديدة تزيد من ارباك المؤسسة الامنية والسياسية والعسكرية الاسرائيلية.
السيد نصرالله في تدرجه هذا يمنع الحرب ولا يستدرجها، تقول تلك الاوساط، العدوانية الاسرائيلية تحتاج في كل فترة الى من يذكرها بالاكلاف المرتقبة لاي مغامرة غير محسوبة، بعد حرب تموز 2006 كان الحزب يطور منظومة اسلحته والسيد نصرالله يواكب ذلك بتطوير خطابه الردعي المتدرج، اسقط اولا عقيدة «الضاحية» التدميرية من خلال توعده بتدمير عدد مماثل من المباني في المدن الاسرائيلية مقابل كل مبنى يدمر في الضاحية او بيروت، معززا المخاوف الاسرائيلية من وصول صواريخ مدمرة ودقيقة للمقاومة في لبنان… ثم انتقل الى مرحلة اخرى من خلال التأكيد على قدرة المقاومة على اقفال حدود كيان العدو البحرية من خلال القدرة على ضرب الموانىء ومنع الملاحة حتى في البحر الاحمر… ثم جاء الردع عن طريق الاعلان عن الجهوزية لدخول الجليل… ثم على ضرب مفاعل ديمونة «المتهالك» في صحراء النقب… وبعدها كان التهديد «بالقنبلة النووية» من خلال الاعلان عن النية في استهداف مخازن الامونيا في حيفا.
لم يفصح السيد نصرالله حتى الان عما تملكه المقاومة لشل قدرات سلاح طيران العدو، ربما قد يفعل ذات يوم… لكنه اختار هذه المرة ان ينقل تهديده الردعي الى مستوى ارفع، وهو بعد نحو سنتين على اعلانه عن عقيدة الحرب الشاملة بعد ان اصبحت جبهة الجنوب متصلة بجبهة الجولان المحتل، ووصول مقاتلي حزب الله الى تلك المنطقة، اختار هذه المرة الكشف عن استراتيجية «فتح الاجواء لعشرات الالاف بل مئات الالاف من المجاهدين والمقاتلين لخوض المواجهة مع المقاومة… وهذه الاستراتيجية ذات دلالة بالغة تتجاوز ما سبقها من حديث عن توحيد الجبهات الى انتقال نوعي في مفهوم هذه الحرب التي لم تعد تحتاج الى قرارات حكومية قد تكون مربكة او متصلة بحسابات معقدة، فما قاله السيد نصرالله يشير بوضوح الى ان محور المقاومة بات لديك جيشا رديفا لا يمكن الاستهانة به، قوات «شعبية» مدربة ومسلحة جيدا ولديها خبرة قتالية عالية على مختلف جبهات القتال المشتعلة في المنطقة….وهذا تطور نوعي يضيف الى قوة الردع لدى المقاومة عاملا غير مسبوق سيدفع الاسرائيليين الى مراجعة حساباتهم باضافة هذا العامل المؤثر في اي حرب مقبلة…
وفي هذا الاطار اراد السيد نصرالله ان يشير الى مسألتين اساسيتين، الاولى ان من تورط في الحرب لاسقاط سوريا ارتكب خطيئة سيدفع ثمنها عاجلا او آجلا، واول هؤلاء اسرائيل التي خسرت من خلال دعمها لهذه «الخراب» معادلة استقرار لم تعد موجودة بعد اسقاط قواعد اللعبة القديمة، واليوم من يرسم قواعد اللعبة الجديدة هو محور المقاومة الذي نجح في تطويع الازمة لصالحه، وفي حال استكمال الانتصار ستكون اسرائيل امام معادلة جديدة غير مسبوقة من قبل… وهنا تاتي المسالة الثانية المتصلة بالاولى، فالسيد نصرالله اراد افهام من يعنيهم الامر بان حزب الله لم يعد فقط حركة مقاومة لبنانية «مقطوعة من شجرة»، ومن حاول منذ مؤتمر شرم الشيخ وصولا الى حرب تموز ضرب هذا النموذج، و«شيطنته» باعتبار سلاحه غير شرعي وخارج عن القانون، يجد نفسه اليوم امام محور بكامله اخذ بنموذج حزب الله وعممه ليصبح جزءا من العقيدة القتالية والعسكرية، هذا ما حصل في سوريا، حيث باتت للدولة جيش رديف تحت عنوان قوات الدفاع الوطني تؤازرها القوات الرديفة، وهذا ما حصل في العراق بعد تشريع الحشد الشعبي في البرلمان باعتباره جزءا مكملا للمؤسسة العسكرية والمنظومة الامنية في البلاد، وهو امر تكرر مؤخرا في اليمن حيث يقاتل انصار الله الى جانب الجيش اليمني على مختلف جبهات القتال..وهي نماذج تحاكي تجربة الحرس الثوري والقوى الرديفة في ايران..وهذا طبعا «الكابوس» الذي لم ترغب اسرائيل بان تراه يوما…
وتلفت تلك الاوساط، الى ان بعض المؤشرات «المقلقة» حتمت تذكير الاسرائيليين بقواعد «اللعبة» الجديدة وموازين القوى المتغيرة في هذا التوقيت، ووفقا للمعلومات فان اسرائيل باتت ميالة جدا لفعل شيء ما يعيد التوازن الذي اختل على مختلف جبهات القتال، والامر لا يقف عن تدخلها «الجراحي» اليومي على جبهة القنيطرة، وتبدو الجبهة الاكثر قابلية للاشتعال هي جبهة قطاع غزة، فالحرب هناك تحظى برافعة «عربية» من قبل الدول التي اتخذت قرارها بالحصار على قطر، فهناك قرار باخراج حركة حماس من المعادلة والقضاء على بنيتها التحتية، وهي المخاوف التي دفعت الحركة لإجراء لقاءات مباشرة مع تيار محمد دحلان القريب من ابو ظبي على أمل تجنب المواجهة…
وفي المقابل تبدو اسرائيل متوجسة للغاية مما يجري «طبخه» على خط الحدود الأردنية – السورية، وهو ما سينعكس حكما على جبهة الجولان، فثمة مفاوضات روسية اميركية، على وقع قرار من دمشق وحزب الله بكسر هذه الجبهة، والمفاوضات تدور حول فتح الطريق الدولية بين العاصمتين السورية والاردنية وتفعيل معبر نصيب الحدودي البري… وفي هذا الوقت يبدو أن الصراع داخل «البيت الخليجي»، قد بدا ينعكس على الارض في سوريا من خلال تجفيف منابع الدعم عن عدد من المجموعات المسلحة المرتبطة عضويا باجهزة تلك الاستخبارات… في المقابل لا تبدو واشنطن، التي تواصل «التصعيد الكلامي» ضد دمشق، راغبة في التورط في الرمال السورية المتحركة، وهذا ما يضع اسرائيل امام خيارات «احلاها مر»، في ظل تقدم محور المقاومة على مختلف الجبهات السورية… ولهذا اراد السيد نصرالله تضييق الخيارات امامها، واخراج الجبهة اللبنانية من حساباتها، وتذكيرها بقواعد اللعبة المتغيرة واستراتيجية الردع المتطورة لدى المقاومة والتي باتت حكما تتجاوز حدود الجغرافيا اللبنانية، ومن لا يريد الاقرار بهذا الامر فهو كمن يدفن «راسه في الرمال»، الامين العام لحزب الله يواصل استراتيجية «الردع» لمنع الحرب وليس استدراجها مع افهام العدو ان المقاومة جاهزة لاي مفاجأة تأتي من خارج سياق الاحداث.
(الديار)