السيّد حامل أمانة القدس
ناصر قنديل
– عندما أعلن الإمام الخميني قبل سبعة وثلاثين عاماً تحويل آخر جمعة من رمضان كل عام إلى يوم للقدس كان يضع الحجر الأساس لذاكرة ستتكفّل بقتال كل من يحاول التخلي عن فلسطين، بأجيال لا تعرف الخميني وربما تنتمي لمعسكرات تخالف السياسات الإيرانية، لكنها نزلت ولا تزال تنزل كل عام إلى الساحات والشوارع بالملايين لتحتفل بيوم، ربما لا يعرف الكثير من المشاركين فيه، أنه يوم من أيام إيران في العالم ويوم من أيام الخمينية التي ستبقى حاضرة لسنوات مقبلة بقوة حضور هذا اليوم، الذي أحيته هذا العام أكثر من مئة مدينة كبرى عبر العالم وشارك فيه عشرات الملايين.
– واصل السيد الخامنئئي الاهتمام الذي أولاه الخميني بيوم القدس بالإدراك ذاته لمكانته في الاستراتيجية الهادفة لوضع مهمة إيران التاريخية والجغرافية، القائمة على منح الأولوية الأولى لاستعادة فلسطين وتفكيك كيان الاحتلال، ووفقاً لهذه البوصلة ترسم إيران سياساتها وتحالفاتها، وتبني مقدراتها وتسير قدماً في إرساء ثقافة المقاومة. وقد أثبتت إيران مع نجاحات قوى المقاومة في لبنان وفلسطين والمأزق التاريخي الذي دخلته «إسرائيل» باعتراف قادتها، وما ترتب عليه من استدراج الحضور الأميركي المباشر إلى المنطقة، ووقوعه في مستنقعات نجحت إيران في إدارة غرقه فيها، وصولاً لاستنفار كل الاحتياطي الذي تستند إليه واشنطن في إدارة شبكات مصالحها، وخلط أوراق المنطقة وانزلاق الأنظمة التابعة لواشنطن إلى حروب وأزمات أظهرت إيران أنها قادرة على إدارة نتائجها وعدم التورّط فيها من جهة، ومنعها من طمس قضية فلسطين والقدس من جهة مقابلة. وكان يوم القدس كل عام واحدة من أدوات هذه النجاحات.
– منذ البدايات كان الإمام الخميني يدرك ويصرّح أن سورية ولبنان هما رئتا فلسطين وجناحا يومه المقدّس للقدس، وكان يبذل الجهد لتصل رسالته هذه إلى لبنان وسورية. وكانت الإحياءات الأولى لهذا اليوم فيهما. ومع انطلاقة المقاومة في لبنان انتقلت إليها راية هذه الأمانة بدعم من سورية وإيران، وتحوّل يوم القدس إلى سياسة وقتال وشهداء وتحرير وحروب، وصار ليوم القدس رمز هو السيد حسن نصرالله حامل مشعل القدس الذي أضاءه الإمام الخميني ويستسقي زيته السيد الخامنئي، وصارت ليوم القدس علاقة التماس المباشرة بالقتال مع الاحتلال، ليترجّل من الذاكرة والإحياء إلى الحياة الواقعية حيث الدماء والبطولات والتضحيات والانتصارات.
– يقابل السيد نصرالله خصومه الإقليميين من موقع القدس عنده وعندهم، فتنكشف حقائق الصراع بينه وبينهم بصفته صراعاً بين ضفتين متقابلتين تفصل القدس بينهما، ويسهل على السيد نصرالله أن يسائل خصومه ماذا قدّمتم للقدس وماذا قدّمنا؟ فكل ما يدور في المنطقة يدور من حولها، من الحرب على سورية إلى حرب اليمن، وما بينهما ولادة داعش والتطبيع الخليجي «الإسرائيلي»، وأولاً وأخيراً الاستهداف لإيران، فالقدس تفسّر كل ذلك، وحامل الأمانة يقول بالثقة التي يعترف بصدقية حساباتها الأعداء قبل الأصدقاء، أن يوم القدس الذي أراد صيانة القدس من النسيان قد حقق أهدافه. ويوم القدس الآن لحشد القوة اللازمة لتحريرها. ومشكلة الاحتلال أن صمته وخوفه من الحرب يمنحان المزيد من الوقت لحشد المقدرات ومراكمة القوة، وإن سارع للحرب فسيُواجِه هذه المرة مئات آلاف المقاتلين من العالم.
– أهل فلسطين الذين تشكل القدس عاصمتهم، هم أول مَن يتابعون ما يقول السيد حامل أمانة القدس، ويتبعون معه خطته التي يثقون أن كلمة السر فيها قد وصلتهم، «سنكون حيث يجب أن نكون».