بقلم غالب قنديل

حول تصريحات ماكرون

غالب قنديل

مما لاشك فيه ان شيئا جديدا يستدعي التوقف حملته تصريحات الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون التي لم ينكرها بعد وأعلن فيها ان لا بديل للرئيس بشار الأسد.

اولا طمس بعض المتحمسين جانبا من تصريحات ماكرون التي تضمنت عبارات عدائية مسيئة لهذا القائد الوطني الذي صمد في وجه العدوان الاستعماري الأميركي الفرنسي البريطاني الصهيوني إلى جانب الاعتراف المشار إليه. إن للتوقيت معانيه الكثيرة فمن يتابع تطورات الميدان السوري يستطيع تتبع ملامح صعود الدولة الوطنية السورية ونهوضها واندحار ادوات العدوان من عصابات الإرهاب والتمرد وتفكك الحلف الدولي الإقليمي الذي قاده الغرب وهذا معناه ان الاعتراف بجبرية التعامل مع مكانة الرئيس الأسد الشرعية والدستورية والوطنية جاء مع سطوع بشائر انتصاره الكبير.

من المفارقات السريالية ان الرئيس الفرنسي القادم من غياهب كواليس التحضير والتصنيع المدبر يزعم ان هذا الرئيس بشار الأسد الذي قاد ملحمة صمود أسطورية هو عدو لشعبه السوري في كذبة فاقعة تدحضها الوقائع السورية الصارخة منذ انطلاق العدوان الكوني على الجمهورية العربية السورية ومعه النعيق الغربي عن “التنحي ” الذي عمل عليه الناتو والكيان الصهيوني وحكومات تابعة في المنطقة يتصدرها الرباعي السعودي والقطري والتركي والأردني.

ثانيا  إن خرافة استقلال اوروبا سقطت في التجربة ومن الواضح منذ مشروع مارشال إلى يومنا هذا ان القارة العجوز باتت أشد ارتهانا إلى المركز الأميركي المهيمن اقتصاديا وماليا وسياسيا وعسكريا وامنيا.

في البعد الحاسم والصانع للسياسات الأوروبية أي الاقتصاد والمال تبدو التبعية الأوروبية للمركز الإمبريالي الأميركي أشد مما يعتقد أي كان والأمر ينطبق بشدة على فرنسا اكثر من غيرها وقد تصاعدت فيها سطوة بيوت المال الأميركية والمتعددة الجنسيات التي تكتسح معظم القطاعات الاقتصادية.

يمكن القول بعد الدراسة والتمحيص ان فسحة الديغولية التي ظهرت على ضفاف الحرب البادرة في زمن الاتحاد السوفيتي السابق قد انتهت وأعدمت منذ انتخاب فاليري جيسكار ديستان إلى اليوم وجرفت معها الاستقلال السياسي النسبي عن المركز الأميركي وما بعدها كان الإذعان وآخر العبر كانت مع رضوخ جاك شيراك الذليل بعد موجة من الاعتراض اللفظي والهامشي عشية غزو العراق.

ثالثا إن الرئيس الفرنسي ماكرون يمثل نموذجا للترابط العضوي الاقتصادي والمالي في منظومة الهيمنة الغربية التي تقودها واشنطن وقوى البورصات العالمية وهو لم يأت من معاهد دراسات الشرق والحضارة العربية بل من شركة غولدمان ساكس الأميركية التي تمد أذرع اخطبوطها المالي في عصب الاقتصاد الفرنسي.

إذا كان بعض المعلقين قدموا الرئيس ماكرون كنموذج لنخبة فرنسية جديدة ستحكم البلاد على انقاض القيادات الحزبية التقليدية وشطحوا نحو المدى الأوروبي الواسع في توقعاتهم ومن خلال سيرة شخصية لصعود الرئيس ماكرون كخبير مالي في حكومة هولاند فإن هذه النخبة الجديدة هي عصارة الارتهان لمراكز المال المهيمنة في العالم بطابعها متعدد الجنسيات وبعصبها الصهيوني وبمركزها القائد في الولايات المتحدة.

رابعا نقل عن الرئيس الدكتور بشار الأسد انه بعد كل تصريح او رسالة يتلقاها من مسؤول أوروبي او عربي يباشر التحليل بسؤال ماذا يريد الأميركيون من وراء تحميل أحد حلفائهم وأدواتهم ذلك الموقف او تلك الرسالة وهذا يصح حرفيا في التعامل مع تصريحات الرئيس الفرنسي قبل سواه.

لقد اضطرت الولايات المتحدة مؤخرا للتدخل العسكري في سورية بسبب تقهقرعملائها ووكلائها بمن فيهم داعش ومع انصراف أطراف محورها لحسابات حصر الخسائر نتيجة الفشل وهذا سبب انفجار التناقضات الكامنة التي طمسها الولاء للإمرة الأميركية في سنوات الهجوم العدواني.

اليوم يريد المخططون الأميركيون فتح بوابات خلفية في مسرح الصراع واحتواء الفشل الاستراتيجي الذريع ولذك حذرنا من التمادي في الوهم والرهان المتعجل على المأزق التركي والقطري مؤخرا بوصفه تعبيرا عن تعارضات داخل منظومة الهيمنة بعد انهزامها وها نحن نكرر التحذير مع خط التشديد الأحمر من المبالغة في الاحتفال بتصريحات ماكرون وذلك لا يعني إدارة الظهر بل التعامل الدقيق بالشك المنهجي وبتناغم محكم بين سورية وكل من إيران وروسيا وحزب الله وسائر أطراف محورها الدولي الإقليمي كما جرى مع مأزق تركيا منذ تحرير حلب بالذات… لا براءات ذمة بل لوائح التزامات وشروط صارمة وصعبة تبدأ من التراجعات الواضحة والمبرمة والمعلنة ورجاء فلا يفرطن احد من الأصدقاء في اختراع التبريرات والتفسيرات التجميلية التي تبث أوهاما لا نفع منها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى