دولة سعودية رابعة أو العودة للدرعية…!؟: محمد صادق الحسيني
هل أزفت ساعة رحيل العائلة الملكية السعودية كلياً، أم حان إعلان دولة الخلافة الداعشية الإقليمية البديل…!؟
منذ الانقلاب السلماني السديري على إرث الملك السابق عبد الله والحرب الباردة نشطة على قدم وساق بين ما اصطلح عليه وقتها بصراع المحمدين، محمد بن نايف مدعوماً بالمخابرات المركزية الأميركية والدولة العميقة في واشنطن، ومحمد بن سلمان مدعوماً من فريق ترامب الذي حصل على تمويل نشط لحملته الانتخابية مقابل إيصاله إلى عرش المملكة رويداً رويداً.. بقرارات الملك الأخيرة تكون الحرب الباردة التي كانت مستعرة بين الأجهزة الأميركية والسعودية قد وصلت الى مآلاتها ورست عند أعتاب عرش بن سلمان بانقلاب مخملي أبيض تتواصل فصوله ويتمّ الإعلان عنها بالتقسيط…
هي الحرب التي طال النزاع فيها على السياسات والصلاحيات، منذ أن عُيّن سلمان ملكاً ثم قام هو بعزل مقرن ومن ثم التدرّج في سحب الصلاحيات والبساط من تحت أرجل بن نايف الى أن جاء يوم الحسم المطلوب..
لم نخطئ في قراءتنا للمشهد منذ اليوم الأول، ومعنا كثير من المراقبين ممّن تحدّثوا قبل أكثر من شهر عن ذلك أيضاً، حينما تنبّأنا بانتقال الحكم السعودي لأبناء الملك سلمان بن عبد العزيز بدلاً من أبناء عبد العزيز إخوة الملك سلمان وأبناؤهم ، وقلنا إنّ المسألة مسألة وقت ليس إلا، وها هي تظهر أهمّ إشارات الانتقال المذكور، بإعفاء الملك للأمير محمد بن نايف من منصبه كوليّ للعهد وتعيين محمد بن سلمان ولي ولي العهد سابقاً بدلاً منه. كانوا ينتظرون لحظة المواءمة الدولية المناسبة، خصوصاً من «الخليفة» الأميركي دونالد ترامب طبعاً ذلك بعد أن تحوّلت السعودية مشيخة أداة لأميركا على أن تتمّ تغطية ذلك بإرضاء حكم صبيان المملكة الجدد لشهواتهم وهوسهم الداخلي أو الخارجي من خلال آلية «ادفع بالتي هي أحسن» للمعتوه الأميركي لإرضائه مقابل حماية عرش تتقاذفه الصراعات، والأهمّ من ذلك إعلان «إسرائيل» إلهاً جديداً في الجزيرة العربية اعتماداً على نظام الإسلام الأميركي الذي تكرّس في قمة الرياض الأخيرة…
وهذا ما حصل بالضبط في الساعات الماضية ما دفع بعض الدول الأوروبية لأن تتفاجأ من هذا النوع من السريان السلس لآلية المال مقابل الحماية ما أثار شهيتها كثيراً…
من المعلوم ان الأوامر الملكية الانقلابية تمت تعمية صورتها التآمرية لتظهر وكأنها تحول إداري عادي من خلال جعلها تشمل «تعيين كل من الأمير بندر بن خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير، وتعيين الأمير بندر بن فيصل بن بندر بن عبد العزيز مساعداً لرئيس الاستخبارات العامة بالمرتبة الممتازة».
بالإضافة إلى «تعيين الأمير عبد العزيز بن تركي بن فيصل بن عبد العزيز نائباً لرئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة بالمرتبة الممتازة، وتعيين أحمد بن محمد السالم نائباً لوزير الداخلية بمرتبة وزير وإعفاء ناصر الداود من منصبه وتعيينه وكيلاً لوزارة الداخلية بمرتبة وزير».
وكذلك «إعفاء عبدالرحمن بن علي الربيعان نائب وزير الداخلية من منصبه وتعيينه مستشاراً بالديوان الملكي بمرتبة وزير».
وتأتي هذه القرارات الملكية السعودية في وقت تشهد فيه منطقة الخليج الفارسي أزمة كبيرة على خلفية قيام السعودية ومعها الإمارات والبحرين بجانب مصر بقطع علاقاتها مع قطر وفرض عقوبات عليها.
مراقبون يقولون إن محمد بن سلمان قصد بذلك تمهيداً لهذا الأمر الواقع الجديد ذلك بأنه بقطع علاقاته مع قطر وفرض عقوبات عليها ومحاصرتها، يكون قد ألقم الأمراء حجراً إذ إن مَن يستطيع عزل قطر ويستطيع تشكيل اجماع خليجي عليها ودعم أميركي ولو ظاهري وأولي فإنه قادر على فعل ما هو شبيه له في الداخل بل وأكثر…!
التوقعات مفتوحة كما يقول متابعون.
فكلمة ابن نايف لإبن سلمان كما ظهرت على التلفزيون الرسمي السعودي خطيرة جداً لمن يعرف مَن هو ابن نايف عندما قال له: «أنا الآن برتاح وأنت الله يعينك..».
فابن نايف رجل خبيث وماكر وليس سهلاً. ما قاله وكلمته لم تنطلق عبثاً بل هي ضربة في الصميم للصبي الطارئ على السلطة ما سيجعل بن سلمان يتحيّر في تفسيرها..
وارتياح بن نايف سوف يترجم، كما يعتقد الخبراء والمطلعون بأنه سيغادر السعودية مع ملياراته التي قبضها، وتلك التي ورثها من أبيه ليقيم بين لندن وباريس وغيرها من العواصم والبلدان مثل محمد بن فهد طبعاً، وعنده الخيارات الكثيرة والكبيرة تاركاً بن سلمان يضرب أخماساً بأسداس عن مستقبل خطوات ابن عمه ضده…
وبن نايف هذا لن يكون مثل «حمد أبو تميم بتاع قطر ولا الثاني حمد بن جاسم عايشين» هكذا في الخارج…
ذلك أن ابن نايف يعرف تماماً الخراب الذي يعمّ المملكة بسبب الغلام ابن سلمان وأنه لن يستطيع أن يمسك بالزمام كما يجب، وأن مصير المملكة كله صار في مهب الرياح بسبب عنجهية الحاكم المراهق ودخوله في أكثر من صراع ونزاع في الداخل كما في الخارج.
وأما الجزء الثاني من كلمته وهي : قوله له الله يعينك..
المطلعون يكادون يجزمون بأن ابن نايف سوف يشغّل جنوده الإرهابيين على بن سلمان لإشغاله وتشتيت جهوده عن تثبيت الحكم بتفجيرات واغتيالات متعددة الأشكال بأدوات دواعشية وإرهابية أخرى عديدة. وهو الضليع بدوائر الدولة العميقة، وهو المعروف بأنه كان وراء محاولات اغتيال عديدة لأمراء معارضين له أيام الملك عبدالله من خلال تحريك الخلايا النائمة التابعة له وما أكثرها..
– ولكن لننتظر أولاً بعض الوقت أياماً أو أكثر ويتنحّى الملك سلمان بحجة عجزه ومرضه، ويبحث له عن أعذار لصالح ابنه قبل أن يموت. وهذه سوف تأتي بسرعة والوقت لن يطول.
– طبعاً يُجمع المتابعون بأن ابن نايف لم يخرج من اللعبة بسهولة، إلا بعدما ضمن أموالاً وضمن أن ابن سلمان لن يدوم في عرشه طويلاً..
كما أن ابن نايف لم يتنازل عملياً بشكل نهائي عن حقيبة أبيه أي الداخلية صقور نايف وإن تمّ الحدّ من سلطاتها وتقليص المهام فيها إلا أنه لم يتركها لأي أحد كان، بل تنازل عنها لإبن أخيه عبدالعزيز بن سعود بن نايف…
على العموم الأيام كفيلة بذلك، لا نستعجل. والله يمحو ما يشاء وعنده أم الكتاب، كما يقول العارفون من أهل الداخل. ويضيفون بأنهم لا يتمنون لبلدهم إلا الخير لكنهم ينتظرون معلومات إضافية سوف تتسرّب في الأيام المقبلة عن مزيد من صراع الأجنحة، داخل العائلة الحاكمة…
يظل سؤال يطرح نفسه في هذه الأثناء أي دور ظلّ لهيئة البيعة التي يتشدّقون بها ويدفعون بها الى الواجهة مع كل انقلاب جديد. وفي وسط الاستعدادات لصعود أمير من الجيل الثاني للعرش لأول مرّة في تاريخ المملكة وتحفّظ عشرات الأمراء من أصحاب النفوذ أو التأثير على القرارات الملكية الأخيرة!؟
الذين يعرفون تاريخ المملكة وصانع الملوك فيها يشيرون بأصابعهم من جديد إلى رجل الظلّ الشهير خالد التويجري،
الذي لم يختفِ من المشهد، كما كان يُشاع، بل ها هو جالس يدير الأمور من غير ظهور. وأبرز أذرعه وأصابعه متغلغلة ومطوقة لبن سلمان وهي مَن ترسم له سياساته وجميع تحركاته…
نعم اختفى التويجري، كما اختفى بقية عناصر الدولة العميقة عقب موت الملك عبدالله لبعض الوقت، لكنهم سرعان ما عادوا بقوة بعد أن كسبوا بن سلمان وتبنّوا مشروع إيصاله إلى الحكم..
وأغلب مَن يعتمد عليهم ابن سلمان اليوم، هم أساساً أذرع لخالد التويجري وخدمه، خذوا مثلاً: عادل فقيه، سعود القحطاني، سلمان الأنصاري، تركي الدخيل، وغيرهم…
فعلى الرغم ما في بن سلمان من هوج وتهوّر وعناد وانفتاح على «إسرائيل»، إلا أن دولة خالد التويجري «أقذر منه وأذرعها متصلة بأكثر المؤسسات العالمية إجراماً»، كما يعبر متابعون لصيقون بالعائلة الحاكمة ويقولون بأنّهم سيقضون على هيئة البيعة بشكل كامل قريباً…
وأما «هيئة البيعة» التي أخبارها بالتضارب يتناقلون، فمنذ إنشائها عام 2006، لم تكن هيئة البيعة بعيدة عن التطورات العاصفة داخل العائلة المالكة، لكن دورها بقي هامشياً، ولم يتجاوز المصادقة على قرارات الملوك ومباركتها. ليأتي انقلاب سلمان الثالث على الهيئة كمؤشر على موتها سريرياً، كما يؤكد المتابعون..
وهي لم تلعب، أي هيئة البيعة، أي دور فاعل منذ إنشائها في أكتوبر 2006 على يد الملك عبدالله. وشهدت تجاوزات عدة كانت أولها على يد مؤسسها بعد سنتين من تشكيلها عندما عيّن عبدالله أخاه نايف بن عبد العزيز، كنائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء من دون استشارة هيئة البيعة.
امتحان آخر كان أمام الهيئة عام 2011 مع وفاة ولي العهد سلطان، حيث أصدر الملك عبد الله حينها قرارًا ملكيًا عين بموجبه نايف وليًا للعهد، معلناً عن مبايعة الهيئة له
ومع استمرار الجدل حول تفعيل صلاحيات هيئة البيعة، كان التجاوز الثاني لعبدالله عام 2012 بعد وفاة نايف. حينها، عين أخاه سلمان، وليّا للعهد من دون احترام ما أقرّه بنفسه في نظام البيعة. ولم تُدعَ الهيئة للاجتماع للتشاور حول هذا التعيين، ما دفع الأمير طلال إلى الاستقالة من الهيئة
بعد وفاة الملك عبد الله.. عمل الملك سلمان على تهميش دور هيئة البيعة وتجاوزها بقرارات عدة. أول هذه القرارات كان بعد ساعات من إعلان وفاة الملك عبد الله. حينها، أصدر سلمان قرارات وصفت بالانقلاب وأطاحت بهياكل سلفه، وذلك بإصداره لأكثر من 30 أمرًا ملكيًا دفعة واحدة.
بعدها بأربعة أشهر، أصدر سلمان أمراً ملكياً تمّ بموجبه تعيين محمد بن نايف ولياً للعهد بعد إعفاء مقرن، في قرار وصف بالانقلاب على أمر سلفه عبد الله الذي نصّ سابقًا أن أمر تعيين شقيقه مقرن «لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله»، في قرار عدّ الانقلاب الثاني لسلمان مستغلاً الهيئة كعنوان لتمرير قراراته من دون احترام نظامها وإجراءات عملها، عيّن سلمان نجله محمد بمنصب ولي ولي العهد بمجرّد حصول «الاطلاع» على موافقة «الغالبية العظمى» لأعضاء هيئة البيعة.
واليوم، يأتي الانقلاب الثالث بالإطاحة بمحمد بن نايف كولي للعهد وتعيين نجله محمد بدلاً عنه، ويصبح اليوم الذي أنجز فيه سلمان انقلابه الثالث بتعيين ولده ولياً لعهده ولم يبق إلا أن يتنازل له عن العرش، وهو ما سيتم قريباً عندما يحدد الخليفة ترامب ساعة الإعلان عن اكتمال إعلان الدولة السعودية الرابعة…
وهكذا يكون اقترب انكسار قرن الشيطان ذلك أن مثل هذا الاعتلاء المحفوف للمخاطر لابن سلمان لن يطول قبل أن يتحول صراعات عنيفة تنهي تاريخ العائلة الحاكمة وتعيدها الى الدرعية من جديد بخفي حنين والأنظار تشخص لليمن…!
والأيام بيننا ستكون خير برهان..
ثمة مَن يؤكد قرب ظهور تداعيات خطيرة على الفصل الجديد من انقلابات العائلة السعودية الحاكمة ليس أقلها من تقهقر عاصفة الحزم عن صدر اليمنيين المظلومين، وتحولات دراماتيكية على مستوى الحروب الوحشية بالوكالة على كل من سورية والعراق ترسم نهاية داعش وأخواته وصعود محور المقاومة إلى عرش الإقليم لاعباً دولياً اساسياً بامتياز…
وما ذلك على الله بعزيز،
بعدنا طيّبين قولوا الله!
(البناء)