بقلم ناصر قنديل

ماكرون والأسد وبن سلمان

ناصر قنديل

عندما يتحدّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن أنّ الرئيس السوري هو الرئيس الوحيد المتاح لسورية بمعزل عن موقف الأطراف معه وضدّه ومنهم فرنسا، وأنّ بقاءه بات مسلّماً به، بل بات مطلباً للحفاظ على وحدة سورية وإعادة الاستقرار إليها ومنع تحوّلها دولة فاشلة ستتسبّب بالكوارث للعالم كله. وعندما يأتي هذا الكلام مشابهاً في الحصيلة لكلام السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد، معتبراً أنّ الرهانات على إسقاط الرئيس السوري كانت ضرباً من الغباء الأميركي والعربي، وأنّ نصر الرئيس الأسد بات قاب قوسين أو أدنى، فهذا يعني أنّ الدولة التي اجتذب الصراع عليها كلّ دول العالم والمنطقة، وقالت الحرب فيها وعليها إنها قلب العالم الاستراتيجي، قد حسمت رايتها لقائد شاب أظهر قدراً نادراً من الشجاعة والحكمة والوطنية، وأثبت ترفّعاً وزهداً بالمال والحكم، ولكلّ منهما طريق يعرفه الراغبون يبدأ بتل أبيب وينتهي بواشنطن، فتنفتح خزائن الذهب الأسود من الخليج، وتنهمر «رقيبات التحايا» لزعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان .

بالتوازي مع الصعود الحتمي لزعامة الرئيس الأسد في عالم عربي قلق، لا تزال القضية الفلسطينية رغم كلّ الفتن والحروب تشكّل القضية الوحيدة الجاذبة والقادرة على إنزال الناس إلى الشارع، يمكن ببساطة مقارنة تجربته بتجربة جمال عبد الناصر، الذي كان موضع جدل وتشكيك وتساؤلات قبل العام 1956، حيث كان العدوان الثلاثي الذي سطع بمقاومته له ونصره في مواجهة تحدياته نجمُ زعامته. ولن يمرّ انتصار سورية ورئيسها عابراً في سماء العرب بعد سنوات التيه والضياع المسمّاة بالربيع العربي. ويعلم كلّ متابع للتحوّلات في مزاج ومناخات النخب العربية الصادقة في البحث عن مستقبل ورؤية، والتي تتجسّد في اكتشاف المكانة التي يمكن للرئيس الأسد احتلالها في الوجدان العربي للسنوات المقبلة.

من تداعيات الحرب على سورية وفيها، كانت هزيمة الخليج وتركيا، وتراجع أوروبا، وكلّ منها تحاول التأقلم مع الهزيمة وتخفيف آثارها، وفيما تركيا تتلمّس طريقها للتموضع بوجه مخاطر على أمنها القومي مع انقلاب في الموقف الأميركي على حسابها، لتجد نفسها غداً أمام قدر التقرّب من سورية ورئيسها والسعي للتعاون ودفع الأثمان التي تترتّب على التكفير عن الصفحة السوداء التي تسبّبت بها لسورية وللعلاقات التركية السورية، تسعى أوروبا بقوّتها المحورية المعنية بشؤون المنطقة التي تمثلها فرنسا لإنتاج مشروع قادر على التأقلم يمثله إيمانويل ماكرون، بالتصدّي لمخاطر العبثية الأميركية في الشرق الأوسط، عبر رسم مسار فرنسي أوروبي تتلقفه روسيا تحت عنوان منصة الإعمار وعودة النازحين التي ستتشكل تحت عنوان مؤتمر في باريس لهذا الغرض.

يخرج الأميركيون و«الإسرائيليون» بمشروعهم الشاب الهادف لمواجهة مرحلة عربية مقبلة اسمها مرحلة الرئيس السوري بشار الأسد، فيتنازل طوعاً رجل واشنطن في الرياض محمد بن نايف عن ولاية العهد لمحمد بن سلمان، وفي الذهن الأميركي «الإسرائيلي» استعادة تجربة الملك فيصل مع جمال عبد الناصر، بينما فوارق التاريخ والمقدرات وزمن الهزائم والانتصارات، حيث لا أميركا هي تلك التي كانت يومها ولا «إسرائيل» هي التي كانت يومها، وكلّ شيء مختلف، وكلّ الاختلافات قبل التحدث عن زمن إيران الجديد وزمن روسيا المتجدّد وزمن المقاومة وسيّدها المتوقد، تقول إنّ محمد بن سلمان سيقود تفليسة سياسية ومالية وعسكرية، اسمها السعودية، وسيقوده تهوّره المسمّى بحيوية الشباب لأخذ بلده نحو الحرب الأهلية بعد حربين فاشلتين تسبّب بهما في الجوار، واحدة في اليمن وثانية مع قطر، وسقف ما سيستطيعه بن سلمان هو منافسة شاب خليجي مثله هو أمير قطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى