بقلم غالب قنديل

الردع الإيراني الروسي من سورية

غالب قنديل

ظهر امس محور سورية الدولي الإقليمي في أعلى درجات التناغم والتماسك والهجومية وانطلاقا من العناد السوري في التصميم على تحرير كل شبر من التراب الوطني ارتسمت معالم إرادة صلبة في ردع العربدة والغطرسة الاستعمارية الأميركية التي تبدت في إسقاط طائرة حربية سورية مقاتلة كانت متجهة لتنفيذ مهمة ضد مواقع إرهابية على الأرض السورية واستهدفتها قوات العدوان الأميركي وكأن سقوط الخط الأحمر الأميركي وتقدم الجيش العربي السوري إلى الحدود لم يقنع المخططين في واشنطن بعد بالرضوخ للوقائع المرة.

تبلورت معالم الرد السوري بمتابعة التقدم العسكري في الاتجاهات التي رسمتها القيادة السياسية والعسكرية السورية بالتنسيق مع الحلفاء بينما واصلت إيران خطواتها المستمرة في شراكة فاعلة وحاسمة بمسيرة التخلص من قوى الإرهاب والتوحش فسددت ضرباتها الصاروخية المحكمة لمعاقل داعش في دير الزور وما تزال الأخبار تحمل المزيد من المعلومات وتزدحم الأسماء القيادية الداعشية في قوائم الضحايا.

بالكاد يمكن للمراقب العادي ان يلاحظ الفارق الزمني بين بلاغ موسكو الحازم وانطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية إلى دير الزور محملة برسائل استراتيجية عن شعاع القدرة الإيرانية الحاضرة التي تطال دائرة انتشار قطع الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية الأميركية السرية والمعلنة وكامل فلسطين المحتلة والمدى الخليجي بكل ما فيه من مواقع ومصالح واعتبرت رسالة ردع هادرة بقدرات تقنية هائلة بعدما دمرت أهدافها المرصودة بدقة داخل دير الزور وهو ما يسمى في ادبيات البنتاغون بالصواريخ الذكية او النقطية.

الضربة الإيرانية كانت محور اهتمام أميركي وغربي وصهيوني وسعودي وجمعت بين الرد على إسقاط الطائرة السورية والرد على هجمات طهران الإرهابية التي تبنتها داعش وهي شكلت إنذارا ميدانيا لجميع المتطاولين الذين اندلعت تهديداتهم في لغو تحريضي متصاعد منذ كرنفال الرياض في ملتقى دونالد ترامب للخطب العنترية التي استهدفت إيران.

الأكيد ان لكل من اطراف الحلف الأميركي الصهيوني السعودي حساباته الخاصة مع الصواريخ الإيرانية لكن كابوس تل أبيب المزمن يتردد بالسؤال عما إذا وصل هذا النوع من الأسلحة الصاروخية إلى أيدي حزب الله والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة انطلاقا من التجربة التي تقول إن صناعة الصواريخ الإيرانية والسورية تزود المقاومة في لبنان وفلسطين بكل ما تحتاجه وهذا ما وثقه تقرير فينوغراد عن حرب تموز وسواه من تقارير العدو عن حروب غزة.

لم تلبث ترددات الصواريخ الإيرانية وأصداؤها ان تنطلق وتنتشر حتى جاءت ضربة صدور البلاغ الروسي العسكري بما فيه من إعلان قرار موسكو نفير الاشتباك العسكري المباشر مع طائرات العدوان الأميركي في سورية ووقف جميع أشكال التنسيق لمنع الاحتكاك الجوي بينما يواصل الجيش العربي السوري وثباته القتالية على الأرض مطهرا مزيدا من المواقع والنقاط في الطريق إلى استعادة السيطرة على الحدود العراقية والأردنية وفك الحصار عن دير الزور وإحكام محاصرة معاقل داعش في الرقة وحيث صنع في طريق تقدمه مفاجآت كثيرة منها تحرير الرصافة.

معادلة رادعة جديدة تحمي المرحلة المتقدمة من المسيرة الوطنية السورية لتحرير الأرض واسترجاع السيادة التي يقودها الرئيس بشار الأسد والتي تدخل فصولا حاسمة ومتقدمة وفي سياق تبلور التوازن الجديد عبر ادوات الردع الإستراتيجي الإيراني والروسي تتشكل نواة معادلة كبرى في فضاء المنطقة انطلاقا من سورية وسيكون لها فعل فاصل في التحكم بمستقبل ومصير العدوان الأميركي على سورية ومن خلال التقيد الحازم بأولوية مقاتلة الإرهاب ونشر السلم في الربوع السورية تفرض الدولة الوطنية بمؤازرة حلفائها نواة التوازن الذي سيجبر الغزاة والمتدخلين على الرحيل دون قيد او شرط يجرجرون اوهامهم ودفاتر شروطهم المرفوضة من دمشق وقيادتها الحرة وبدعم من حلفائها الصادقين روسيا وإيران وحزب الله في حين تنسج صورة مستقبل المنطقة بشراكة الدم مع هؤلاء الشركاء ومع شعب العراق وقواته المسلحة النظامية والشعبية في تدمير قوى التكفير والتوحش واقتلاعها.

إنها نواة صورة لشرق جديد حر يعاكس جميع المشاريع الأميركية الصهيونية الرجعية المتخيلة التي ضجت بها منتديات التخطيط والتفكير الغربية منذ مطلع القرن وفاضت في خدمتها سموم إعلامية لا حصر لها وبذلت في مقاومة تلك المشاريع دماء وأرواح عزيزة على مساحة الشرق كله في مقاومة ما جلبته من حروب ملعونة وآثمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى