ماذا يعني تقهقر داعش ؟
غالب قنديل
قبل أربعة اعوام اندلعت موجة صعود داعش وانتشاره في العراق وسورية وكان واضحا لمن يتابع ان حلفا سعوديا قطريا تركيا صب جهوده في توفير الدعم المالي والعسكري لهذه الحالة التي أسندت إليها خطط “القيادة الأميركية من الخلف” مهمة تقطيع اوصال محور المقاومة وعزل العراق عن سورية وبالتالي منع إيران من التواصل مع شرق المتوسط إضافة إلى إطلاق حمامات دماء وعنف وتوحش وفتن بين سكان البلدان المستهدفة عبر ترويج منهجي مدروس لصورة الوحش الداعشي قاطع الرؤوس ومنفذ المجازر ومدمر المعابد واستعمال تلك القوة متعددة الجنسيات المولودة من رحم شبكة القاعدة وتنظيمات الإخوان المسلمين في إثارة المعارك الطائفية والمذهبية التي تفتت المنطقة.
رافقت انتشار داعش في الموصل والأنبار حملات ترحيب وابتهاج خليجية تركية لاحد لها وامتدت حبال الوصل والمساندة الإعلامية وشراكات نهب النفط وسرقة الآثار إلى ان تكفل المحور الروسي الإيراني السوري بتدميرها وتفكيكها فاضحا كذب الاحتيال الأميركي الدولي الإقليمي الذي اخترع تحالف أوباما المزعوم لضبط انفلاش داعش ولرده إلى مظلة السيطرة الأميركية التي قال باراك أوباما في كلمته الافتتاحية لإعلان التحالف “ان هذا التنظيم بات يحوز إمكانات وأسلحة هائلة تنذر بخطر خروجه عن السيطرة ” وهذا ما شكل اعترافا صريحا بكون داعش من ادوات الغزوة الاستعمارية الصهيونية وكانت الخشية الأميركية تتركز في خطر انتقال مجموعات خارجة عن السيطرة من صفوف التنظيم إلى شن عمليات عسكرية داخل المملكة الأردنية حيث كانت نقطة انطلاق داعش التنظيمية مع أبي مصعب الزرقاوي ومجموعته من تنظيم القاعدة أوفي المملكة السعودية حيث ظهرت كتل ومواقع داعمة ومتناغمة في صلب المؤسسة الوهابية والقاعدة الاجتماعية للنظام السعودي جادت بالفتاوى الداعمة وساهمت بحملات جمع الأموال لصالح داعش وكذلك شاركت في حملات التجنيد والحشد التي زجت بالآلاف من شباب الحجاز وشبه الجزيرة في صفوف التنظيم ممن أرسلوا إلى سورية والعراق مباشرة وعبر تركيا التي أقامت معسكرات التدريب وشبكات التنظيم وهو أمر ينطبق بصورة موازية على فصائل قطرية وكويتية وإماراتية تكفيرية لبت نداء أبي بكر البغدادي وأرسلت الأموال والشباب جهارا إلى “دولته”.
لم تكن من المصادفة حملة نشر صور المجازر والترهيب الدموي ولا أعمال هدم الكنائس والأديرة ولاغيرها من مظاهر التوحش لتعزيز سطوة داعش في المناطق التي احتلها بهدف تمكينه من الثبات في الحزام السوري العراقي الذي كان هدفا استراتيجيا اميركيا صهيونيا لمنع تواصل محور المقاومة والحلف الذي قادته الولايات المتحدة جعل من داعش ذريعة للتدخل وهو شن حملة عسكرية كان هدفها المركزي اعتراض طريق السوريين والعراقيين في مقاتلة داعش للعمل على التخلص منه كليا.
إن الدعم الروسي والإيراني الكبير الذي تلقته القوات المسلحة في كل من العراق وسورية خلال السنوات الأخيرة في حربهما ضد داعش كان عنصرا حاسما في تعديل توازن القوى وفي تآكل قدرات داعش المالية والعسكرية والبشرية وقد استطاعت الدولة الوطنية السورية والسلطات العراقية تجفيف المستنقع وحرمان هذه القوة المتوحشة من الحاضن الشعبي في ضوء ما نفذته من مجازر ومن استهداف للمرجعيات الدينية من جميع الطوائف والمذاهب وضد مخالفيها على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم وهذا ما أتاح عزلها بالتالي فنفرت في تكوينها غلبة الإرهابيين الأجانب وافتضح الكثير عن بنيانها اللصوصي الإجرامي كما تكشفت وقائع كثيرة عن ارتباطاتها الصهيونية والأميركية الغربية وهو ما يسهل واقعيا تبلور المناخ الذي يتيح كسب المعارك التي يخوضها الجيشان السوري والعراقي والحشد الشعبي وسائر القوى الشعبية المشاركة على جانبي الحدود السورية العراقية لتحرير الأرض من سيطرة داعش وإعادة وصل ما قطعه انتشارها الميداني.
إن تقهقر داعش في العامين الأخيرين قاد المخططين الأميركيين إلى توسيع التدخل المباشر في سورية بالاعتماد على الدور العسكري الأميركي لمحاولة عرقلة نهوض وانتصار الجيشين السوري والعراقي والقوى الشعبية الرديفة المقاتلة وقد حالت قوة الإرادة الوطنية السورية دون تحقيق الغاية من ذلك والغارات الأميركية او اعتراض الطيران الحربي السوري في استهدافه لمعاقل داعش كما حصل أمس في سماء الرقة جميعها اعتداءات يواجهها الجيش العربي السوري بمزيد من الحزم والتصميم لأنه يخوض معركة استقلال وتحرر وطني صمم على كسبها وقد تحققت البداية الفعلية من خلال تقهقر داعش وانتشار الجيش العربي السوري وتقدمه بموازاة الوحدات العراقية المقاتلة إلى الحدود وتوسيع انتشار الجيشين أفقيا وعاموديا وهي هزيمة مدوية لمخطط أميركي كلف الكثير من الأموال والجهود المخابراتية والعسكرية التي بذلتها سائر اطراف حلف الهيمنة الاستعمارية الصهيونية في المنطقة.