النسبية «الابن الشرعي» لحزب الله ابراهيم ناصرالدين
الاحتفالية» الرسمية بانجاز قانون الانتخاب الجديد، وتسابق القوى السياسية على تبني «ابوته»، لن يغير الكثير من واقع يدركه الجميع، في الداخل والخارج، القانون هو «الابن الشرعي»لحزب الله الذي استطاع ان يفرض مرة جديدة رؤيته السياسية في البلاد، قال قبل نحو ثلاث سنوات ان لا رئيس للبلاد الا الجنرال ميشال عون، وهذا ما حصل بعد «مراوغة» شاركت فيها كل الخصوم، ومعظم الحلفاء. وفي قانون الانتخاب تكرر الامر نفسه، منذ اليوم الاول لفتح «البازار»، خرج الامين العام السيد حسن نصرالله وقال للجميع انه لا قانون جديد الا وفق النسبية، وليس مهما كيف تكون تقسيمات الدوائر… وهذا ما حصل، بعد «مناورات» لم تفض الى اي نتيجة..هذه الخلاصة لاوساط سياسية بارزة في 8آذار، لا تلغي توصيف الامر «بالانجاز» الوطني للعهد والحكومة، لكنها يجب الا تضيع بعض الحقائق الهامة على المستوى الوطني والمتصلة بما يحصل في الاقليم من تبدل لموازين القوى، وحده «الثنائي الشيعي» لن يكون قلقا من النتائج بعد نحو عام، بينما تخوض القوى السياسية الاخرى اختبارا حقيقيا سيكون له ما قبله وما بعده.
وفي هذا السياق تؤكد تلك الاوساط انه لا يوجد اي شيء مضمون لدى الكتل النيابية الحليفة او «المناهضة» لحزب الله في البرلمان المقبل، النتيجة المحسومة ان هذه الكتل ستتعرض لخسائر متفاوتة في حجمها الراهن في مناطق نفوذها والتعويض ليس مضمونا في المناطق الاخرى، وحده «الثنائي» الشيعي قادر على المحافظة على كتلة وازنة قد تتعرض لخسارة طفيفة، لكنه سيعوض حتما في مناطق اخرى من الحلفاء السنة والمسيحيين والاحزاب العقائدية.
هذا الامر تؤكد اوساط مسيحية في 14 اذار، تقول في «مجالسها الضيقة» ان الخريطة السياسية في المجلس المقبل الى نشوء «تكتلات» نيابية ذات حجم متوسط وصغير في مقابل تحالف واسع «للثنائي الشيعي» يخوله الامساك بالميزان التشريعي والدستوري لسنوات مقبلة، وهو امر سيزيد الى «فائض القوة» لدى حزب الله عنصر قوة جديد، مقابل عوامل ضعف ستصيب ثلاث قوى رئيسة، التيار الوطني الحر، القوات اللبنانية، وتيار المستقبل.
فالعهد برأي الاوساط، الزم نفسه بعدم العودة الى قانون الستين وربط رئيس الجمهورية نجاح انطلاق رئاسته باقرار قانون انتخاب جديد، رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لم يكن يناور حين تراجع عما تم الاتفاق عليه في بكركي مع الاحزاب المسيحية، وخاض معركة جدية لفرض قوانين تدرجت من «الارثوذكسي» الى «التأهيلي» وصولا الى محاولة فرض «التأهيل الطائفي» في القانون الجديد، وكلها محاولات سقطت الواحدة تلو الاخرى، وكان الاخفاق الاكبر في نقل المقعد الماروني من طرابلس الى البترون.. اما «الانجاز» الوحيد في هذه «المعركة» التي كلفت التيار الوطني الحر الكثير من رصيده الوطني، وكشفت عن اولوية البعد الطائفي في نهجه السياسي، فكان حصر الصوت التفضيلي بالقضاء لا الدائرة، وهو «انجاز» مرتبط ايضا بزيادة الضمانات لكسب معركة المقعد النيابي في البترون، وابعاد تأثير نفوذ تيار المردة قدر الامكان.
وفي هذا السياق سيكون التحالف بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر امام اول اختبار جدي في الاشهر القليلة المقبلة، التجربة حتى الان تفيد انه «مش ماشي الحال»، العلاقة تحتاج الى صيانة ضرورية، ومن يرى ان لا «ازمة» عميقة بين الطرفين، يدفن «رأسه في الرمال، لكن هذا لا يلغي وجود المشكلة.
«معراب» تشتكي من المحاولة المستمرة من قبل «التيار» لتهميش دور «القوات» في مختلف الملفات، نموذج التعيينات في الفئة الاولى لم يكن مشجعا، بل محبطا «للقواتيين»، جاء الرد في ملف الكهرباء، ثم ظهر التباين جليا خلال البحث عن قانون الانتخابات الجديد، وشهدت الايام الاخيرة «برودة» في العلاقة بعد محاولات الوزير باسيل «تهميش» دور النائب جورج عدوان الذي نجح في عملية «تدوير الزوايا» واعاد احياء قانون مروان شربل المستند الى النسبية على اساس 15 دائرة، وقد رتب ذلك «نقمة» عارمة لدى «معراب» ما اضطر رئيس القوات سمير جعجع الى التاكيد في «حلقاته» الضيقة انه لن يكون مقبولا استمرار الوضع على ما هو عليه، ومن غير المقبول ان يستمر«التيار» في التعامل مع «القوات» كحليف من الدرجة الثانية..
الان وصلت الامور الى المرحلة الاكثر جدية في العلاقة، الانتخابات وفق القانون النسبي، لها مترتبات وحسابات مختلفة عن النظام الاكثري، التنافس لن يكون فقط على المقاعد بل على ترتيب الاسماء ضمن اللوائح..لدى التيار الوطني الحر مناطق مقفلة لا يريد للقوات ان تشاركه فيها، وتبرز هنا على سبيل المثال دائرة المتن، حيث يسعى «التيار» الى جذب الاصوات القواتية دون منحهم نائبا عن الدائرة، باعتبار ان الاسماء باتت محسومة على المستوى التنظيمي داخل «التيار» والعودة عنها ستعني انشطارا عاموديا داخل التنظيم، لكن «القوات» تصر على ترشيح وزير الاعلام ملحم رياشي استنادا الى دراسات واحصاءات تشير الى تقدمه خلف النائب ابراهيم كنعان…وثمة ازمة ايضا في الترشيحات في كسروان حيث تريد «القوات» مقعدا من خمسة، وهو امر لا يرغب به «التيار» مع العلم ان عدم التفاهم سيؤدي الى خسارته مقعدين او ثلاثة مقاعد. اما في جزين حيث يعاني «التيار» من «صداع» ترشيح مستشار الرئيس جان عزيز مكان النائب زياد اسود، على الرغم انه الاقوى مسيحيا في القضاء، تطمح القوات الى الحصول على مقعد نيابي من ثلاثة، لكن «التيار» يعتبر ان هذا الخيار سيخسره حتما الاصوات الشيعية في القضاء هذا الاختلاف اذا لم يتم معالجته فسيؤدي الى نتائج سلبية على الطرفين، ويعيد الصراع الى «مربعه الاول» وسيستفيد منه الكثيرون على الساحة المسيحية.
اما الرئيس سعد الحريري فهو نجح فقط من خلال اقرارهذا القانون، في تأجيل موعد الانتخابات 11 شهرا،وهذا سيساعده في «التقليل» من الخسائر، في ظل عدم القدرة على تحقيق الارباح، فالتأجيل التقني، يمنحه الوقت الكافي لمحاولة «لملمة» تياره السياسي، من خلال الاستفادة من «وهج» الرئاسة الثالثة.. هو حكما سيخسر الكثير من المقاعد وستتقلص كتلته النيابية، وسيفوز كل «خصومه» السنة، من اشرف ريفي وخالد الضاهر، المرجح ان يحصدا 3 مقاعد في الشمال، اضافة الى الرئيس نجيب ميقاتي، والنائب محمد الصفدي، والشخصيات الاخرى المحسوبة على حزب الله..لكن الحريري لم يكن يملك اي خيار بعد ان اظهرت الارقام الدقيقة بان خوض الانتخابات الان وفق قانون الستين سيؤدي حتما الى خسارة مدوية في مختلف الدوائر، وهذا ما جعل من خيار القانون النسبي «خشبة خلاص» ضرورية، ولذلك تم تغيير»ادبيات» تيار المستقبل وسحب شعار «لا للنسبية في ظل وجود السلاح غير الشرعي»، وبات كل «التنظير» السابق حيال هذه الفكرة من الماضي…تيار المستقبل لن يعود الى الايام «الخوالي» التفرد بالساحة السنية لم يعد متاحا، وكذلك الاتكاء على الحلفاء الاقليميين والدوليين.
خلال هذا العام ستتغير الكثير من المعطيات في المنطقة، بحسب اوساط 8آذار، قانون الانتخاب في لبنان ليس الا انعكاسا لميزان قوى اصبح مختلا لصالح حزب الله ومحور المقاومة، كثيرة هي الاحداث المرتقبة والتي ستكون حاسمة على الارض وفي السياسة، الخلاف داخل «البيت الخليجي» فتح «جرح» سيكون من الصعب شفائه، «تشظي» التحالف المتآمر على سوريا وانقسامه سيضعف الحلفاء في بيروت حتما، بعد عام لن تكون هناك مجموعات مسلحة ارهابية على الحدود الشرقية، سيتخفف حزب الله من الكثير من الاعباء..معركة الحدود والبادية بين العراق وسوريا ستكون انتهت. صور قائد «فيلق القدس»الجنرال قاسم سليماني، على الحدود العراقية -السورية بالامس هو اعلان صريح عن «انتصار» إيران العسكريّ، بعد النجاح في اعادة وصل الحدود البرية من طهران الى بغداد ودمشق وصولا الى بيروت، هذه النتائج هي حصيلة جهد كبير للجيش السوري والحلفاء، لكنها ايضا نتيجة حتمية للاخطاء الكارثية التي يقوم بها خصوم إيران، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي وضعت ثقلها السياسي الوازن في معركة عبثيّة ضد قطر، وسيكون لهذا الامر تداعيات كبيرة على مستوى المنطقة، ولن تكون هذه التاثيرات بعيدة عن الساحة اللبنانية التي سلم فيها حلفاء حزب الله وخصومه، بانه يملك «الكلمة الفصل» الان وبعد عام.
(الديار)