ناقصة لكنها فرصة جديدة
غالب قنديل
نشر معهد واشنطن قبل بضعة أيام مقالا حول التفاهم على قانون الانتخابات في لبنان للكاتب ديفيد شينكر أحد أبرز المحافظين الجدد الذين ساهموا في الحملات الممهدة لحرب تموز واستثمار ما بعدها لتشديد الخناق على المقاومة اللبنانية.
اعتبر شينكر ما جرى التفاهم عليه بصدد مشروع قانون الانتخاب الجديد تكريسا وانتصارا لمطلب أساسي رفعه حزب الله مذكرا باعتراض المستقبل والقوات اللبنانية والنائب وليد جنبلاط على النسبية متجاهلا تبني كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لاعتماد النظام النسبي منذ سنوات.
يبرز المقال مراهنة المحافظين الجدد واللوبي الصهيوني على تطور علاقات وشراكات مزعومة بين قيادات من المستقبل والتيار الوطني الحر وعلى تأثير علاقة التيار بالقوات اللبنانية بصورة قد تضعف مفاعيل التفاهم بين حزب الله والتيار ويمثل المقال من هذه الزاوية نصا تحريضيا بامتياز ظهر مثله الكثير في الصحف الأميركية والصهيونية والسعودية منذ انتخاب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
في الحصيلة الفعلية إن لحزب الله فضلا كبيرا في التصميم على النظام النسبي مع حلفائه من حركة امل والتيار الوطني الحر وجمع من القوى والأحزاب التقدمية التغييرية وهذا هو المعسكر الذي يعتبر الرابح الأول في معركة قانون الانتخاب وإن سجل من فضل لخصومه فهو انهم رضخوا للتوازنات المستجدة ولم يهدروا الوقت في معارك الرفض العقيم لهذا التطوير المستحق للنظام السياسي.
اكدت التسوية المنجزة مصداقية رئيس الجمهورية وحققت مطلب النسبية وإن كان من حقنا كتغيريين القول لم يتحقق كثير من الطموحات الإصلاحية في مشروع قانون الانتخاب الجديد وبالتحديد في الإصلاح الأهم لتطوير النظام السياسي وهو خفض سن الاقتراع ومباشرة تطبيق المادة 95 من الدستور لكن مثل كل تسوية طائفية يمكن اعتبار الإنجازات المتواضعة خطوة على طريق طويل لتحديث النظام السياسي اللبناني المتخلف والطائفي الذي تحكمه العصبيات والانقسامات المتجددة وقد جمع المشروع بين احتواء الهواجس ومعالجة شكاوى الانحراف عن الطائف وهو فعليا فتح الأبواب على مرحلة جديدة.
دخول النسبية إلى الانتخابات اللبنانية يقلص من مساحة الإلغاء الأكثري ويلغي ما عرف بالمحادل الانتخابية وينهي عمليات حذف الأقليات السياسية في جمهور جميع الطوائف كما يحد من عمليات خنق القوى التغييرية غير الطائفية في المجتمع اللبناني بالعصبيات وهو بذلك ينهي احتكار التمثيل الطائفي من قبل قوى وأطراف مهيمنة على الحكم دون ان يلغيها بل هو يفرض عليها الرضوخ للتنوع السياسي والبرامجي وتحويل المعارك الانتخابية إلى تنافس سياسي بدلا من تحفيز خوضها كمعارك إلغاء وجودي باسم الطوائف والمذاهب.
لن تلغي النسبية احدا من القوى الرئيسية المهيمنة على النظام لكنها ستقود إلى معادلات تمثيلية جديدة هي أقرب إلى الواقع السياسي ورغم التنغيص المستمر لاستمرار النبرة الطائفية العالية وتراجع الخطاب الوطني الجامع نتيجة ما فاقمته اللغة التفاوضية التي حكمتها مزايدات طائفية كثيرة حول قانون الانتخاب ورغم صعود اللهجة المكرسة لشد العصبيات عند بعض الأطراف بفعل تلك المزايدات السياسية الفئوية التي استدرجت إليها.
يسجل هنا للرئيس نبيه بري تعامله بحكمة عالية وبصبر شديد وبتفهم لجميع الهواجس ورفضه السير في المناكفات السقيمة التي جرت محاولات حثيثة لاستدراج حركة امل إليها في حين ان معركة تصحيح التمثيل لم تكن يوما مع بري ولا مع حركة امل بل في امكنة اخرى يعرفها ويدركها قادة التيار الوطني الحر أكثر من سواهم.
تمكن الرئيس ميشال عون في هذا الممر الصعب والشائك من تجسيد صورته كزعيم امين لتعهداته والتزاماته وكرجل دولة حريص على الوحدة الوطنية والوفاق الداخلي وفي الوقت عينه كرئيس ملتزم بالدستور والميثاق ومتمسك بإنجاز نقلة إصلاحية في النظام وهذا ما جعل رئيس المجلس يعتبره حكما في الخلافات حول قانون الانتخاب.
فرص التمثيل السياسي المتنوع كانت ستكون أكثر ابتعادا عن العصبيات لو ذهبنا إلى الدائرة الوطنية الواحدة او على الأقل إلى الدوائر الخمسة او الستة وفق الصيغ التي طرحها الرئيس نبيه بري الذي وضع خطا أحمر في وجه كل محاولة لتأبيد الصيغ الطائفية للنظام الانتخابي تاركا السقف مفتوحا امام احتمال السير بآلية متدرجة لتجاوز النظام الطائفي باعتماد نظام المجلسين الذي اتخذ مبادرات عديدة لتضمينه قانون الانتخاب خلال العقدين الماضيين وقوبلت مبادراته آنذاك برفض شديد من القوى الحاكمة والمهيمنة.
القليل الجيد أفضل من العدم والتركيبة الطائفية الصعبة في لبنان تشعبت وتجذرت بكمية كبيرة من المصالح المادية والسياسية منذ البناء العنصري للنظام في زمن الانتداب الاستعماري الفرنسي وما ورثته التركيبة السياسية للبلاد من آثار الاحتلال العثماني بما انطوى عليه من تمييز ديني وطائفي وقهر للشعب اللبناني بجميع مكوناته.