بقلم غالب قنديل

صمود سورية وتصدع حلف العدوان

غالب قنديل

تتحول الأزمة القطرية السعودية التي تفجرت مؤخرا إلى شرخ كبير في محور الهيمنة الأميركية الصهيونية على المنطقة ومع إعلان تركيا عزمها على إرسال قوات إلى قطر تتخذ المواجهة بعدا يضاف إلى التموضع التركي في الحرب على سورية منذ تحرير حلب وانطلاق مباحثات أستانا تحت تأثير الفرص السياسية وأدوات الردع الروسية والإيرانية التي وظفت بدرجة عالية من التناغم ومع التفهم التام من قبل موسكو وطهران لاحتفاظ القيادة السورية بمواقفها المبدئية اتجاه الدور التركي ورفضها إصدار براءات ذمة لأي من المتورطين في سفك الدم السوري وتدمير سورية.

اليوم يمكن لمن يتابع بدقة تسجيل حقيقة التداعي والتهتك في حلف العدوان على سورية الذي طغت عليه التعارضات والتناقضات في زحمة سعي كل من أطراف هذا الحلف للحد من نصيبه في النتائج السلبية والتكاليف المعنوية والاستراتيجية للخيبة والفشل الكبيرين بفعل العجز عن النيل من الدولة الوطنية السورية ورئيسها وجيشها وشعبها وحلفائها في المنطقة والعالم …

كما جرى في جميع الحروب الكبرى إنها الهزيمة تفكك هذا الحلف المجرم الذي وحدته الإمرة الأميركية واوهام القدرة على تحقيق المخططات الصادرة من واشنطن وهو اليوم في خيبة تقاذف الاتهامات عن مسؤولية دعم الإرهاب وما نستطيع العليق به هو ان كل ما يقال او ينشر من الدوحة ومن الرياض معا عن وجوه التورط السعودي والقطري في احتضان عصابات الإرهاب والتوحش هو صحيح ولو جمعناه لتوصلنا إلى فصل مهم من رواية تلك الحروب القذرة.

لامجال للمقارنة بين حال هذا الحلف الإجرامي اليوم وما كان عليه قبل سنوات بقيادة الولايات المتحدة وبالشراكة مع الكيان الصهيوني ويمكن السؤال عن تبخر المهرجانات الدولية التي قادتها هيلاري كلينتون وضمت ممثلين لثمانين حكومة عميلة في العالم وكيف تفككت تلك الجمهرة التي كانت قطر والسعودية تسددان فواتير شراء تواقيع مسؤوليها على البيانات والتدابير المتخذة ضد سورية من الدول البعيدة والقريبة.

في ظل كابوس ارتداد الإرهاب على مشغليه تعيش الدول الأوربية الشريكة في الناتو ارتباك التكيف مع مرحلة القلق الأميركي واهتزاز العولمة وارتداده المجتمعي وحاصل الاضطراب السياسي الغربي وفي ظل الركود العالمي الخانق ومع الأوضاع والتوازنات الداخلية المتغيرة كنتيجة لانعكاسات فشل الحروب والغزوات الاستعمارية التي خاضتها بقيادة واشنطن ومنيت بالفشل حيث شهد الغرب الأوروبي والولايات المتحدة نفسها مواسم انتخابية تشهد بتفكك وتراجع البنى التقليدية وقد تركت الهزائم ارتدادات خطيرة على المصالح والحسابات السياسية والاقتصادية الأوروبية مع تحول الصمود السوري إلى حاضن لصعود القوة الروسية الصينية ونهوض القدرة الإيرانية.

أما الحكومات الإقليمية المنخرطة في حلف العدوان ومنها على وجه الخصوص حكومات تركيا وقطر والأردن والسعودية فهي منقسمة ومتصارعة على تخوم توزيع مسؤوليات الفشل ومحاولات التنصل من رعاية قوى الإرهاب والتكفير وعصابة الأخوان التي حشدت جميعها من كل انحاء العالم لتدمير سورية وتمزيقها وهذه الحكومات الإقليمية التي انقادت خلف السيد الأميركي والكيان الصهيوني تتوزع اليوم في محورين متناطحين على خط الصدع السعودي القطري في الخليج وهما منضبطان بقوة في علاقة التبعية للولايات المتحدة والتحالف مع الكيان الصهيوني لكنهما منقسمان حول سبل احتواء الفشل بحساب المصالح التي تربط تركيا وقطر مع إيران وروسيا واستحالة التنصل مما تمليه من التزامات مع تحول توازن القوى الإجمالي في المنطقة والعالم وفي ظل ما فعله وما ولده صمود سورية في وجه العدوان الآثم الذي شارك فيه جميع هؤلاء العملاء المتآمرين في خدمة منظومة الهيمنة الأميركية الصهيونية.

الصمود السوري كسر حتى اليوم رؤوسا كثيرة وشرخ حلف العدوان وأربك سائر الدول المتورطة في هذا الحلف ولو قيض للغزوة التي استهدفت سورية ان تنجح لما ظهرت تعارضات وتناقضات ظلت مكتومة لسنوات ولم تحل لسبع سنوات دون الانصياع للأوامر الأميركية ورص الصفوف في غرف العميات خلف القادة الأميركيين والصهاينة أوتسخير موارد خرافية في تمويل وتسليح الرعاع والمرتزقة ووحوش التكفير متعددي الجنسيات.

وحش الإرهاب التكفيري هو منتج سعودي قطري عقائديا وماليا شاركت حكومات تركيا والأردن والكيان الصهيوني في دعمه بقيادة وتوجيه اميركيين ولن تفلح محاولات التنصل من المسؤولية في تبرئة أي كان من المتورطين وعمر الشواهد والوقائع اكثر من أربعين عاما وحسنا فعل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق زبيغنيو بريجنسكي بتوثيق معلوماته عن حقبة قادها بنفسه قبل رحيله مؤخرا عن هذا العالم وكما روى روبرت باير من موقعه القيادي التنفيذي قبل سنوات … لقد ناموا جميعا مع الشيطان لنصف قرن وحركوه مجددا للفتك بسورية والعراق وليبيا ومصر ولبنان وإيران وجهزوا أذرعته لضرب الصين وروسيا والهند وقد ارتد ذاك الشيطان التكفيري من المخادع السعودية القطرية إلى دول الغرب نفسها كما حصل بعد المغامرة الأفغانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى