حول اعتداءات طهران
غالب قنديل
التوقيع على الهجمات الإرهابية التي ضربت العاصمة الإيرانية سبق تنفيذها بكثير ومنذ تصريحات الأمير السعودي محمد بن سلمان عن نقل المعارك إلى الداخل الإيراني وبعد مهرجان الرياض في استقبال دونالد ترامب الذي تم تكريسه لرفع وتائر التحريض والعداء ضد إيران.
لم يكن أي مراقب او محلل بحاجة لانتظار بيان إعلان مسؤولية داعش أو صدور تقرير شامل عن نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات الإيرانية في حدث أمني غير عادي رغم ان العمليات الإرهابية التي تستهدف الأمن الإيراني لم تنقطع وهي متواصلة في السنوات الأخيرة كما أحبط العديد منها بكشف شبكات التخريب المتعددة وداعميها وأعلن عنها في بيانات رسمية.
أولا اختار المخططون والمنفذون هدفين لهما صفة رمزية نوعية في الجمهورية الإسلامية وصورتها على مستوى المنطقة والعالم وهما الهدفان اللذان يكثفان أهم عناصر قوة النموذج الإيراني في وجه الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي الذي يستهدف إيران :
– مرقد الإمام آية الله الخميني مؤسس الجمهورية وقائد الثورة التي غيرت وجه إيران والمنطقة وصاحب نظرية الغدة السرطانية الصهيونية وخيار دعم المقاومة العربية ضد الكيان الصهيوني واستنهاض العالم الإسلامي لتحرير القدس التي خصها بيوم الجمعة الأخير من شهر رمضان.
– مجلس الشورى الذي يعبر عن الطابع الانتخابي الديمقراطي للنظام السياسي في إيران القائم وسط جيرة خليجية من انظمة الاستبداد العائلية التي قابلت الثورة الشعبية الإيرانية والجمهورية المنبثقة عنها بالعداء وبجدران التحريض السياسي والمذهبي طيلة العقود الماضية خوفا من قوة النموذج الاستقلالي المتطور في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية الذي يمثل بذاته تحريضا موضوعيا تخشاه انظمة الحكم الاستبدادي المطلق المتخلفة والتابعة للغرب ولاسيما المملكة السعودية.
ثانيا إن دور إيران القوي والفاعل في مجابهة شبكات الإرهاب التكفيري بجميع تنظيماتها الناشطة في المنطقة منذ احتلال العراق والعدوان على سورية يجعل منها هدفا لهذه العصابات فإيران قدمت جهودا كبيرة ودماءا عزيزة في مقاتلة داعش والقاعدة على أرض سورية والعراق بشكل خاص وهي قدمت مساهمات نوعية في دعم الجهود العراقية واللبنانية والسورية المكرسة لمقاتلة الإرهاب التكفيري.
إن هذا البعد الإيراني الحاسم في مجابهة الإرهاب التكفيري ومن يقفون خلفه يفسر استهداف إيران من هذه العصابات ومن مشغليها الذين تمثل هزيمة الإرهابيين فشلا ذريعا لخططهم ولطموحاتهم الإقليمية وهذا يعني ان السعي لاستنزاف إيران بالهجمات الإرهابية يمثل في هذه المرحلة من المواجهة غاية رئيسية للحلف العدواني الأميركي الصهيوني الرجعي الذي يعيش تصدعات وتناقضات ناتجة عن تداعيات الهزيمة والفشل بعد سبع سنوات من الحروب التي شنها على مساحة المنطقة للنيل من محور المقاومة .
ثالثا من الواضح لمن يتابع أحداث المنطقة ان حملات التحريض والكراهية والتعبئة ضد إيران غير قابلة للصرف عمليا بما يتخطى حدود عمليات التخريب الإرهابية لزعزعة الاستقرار فالشهية الصهيونية والسعودية القديمة لشن حملة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة تدمر الجمهورية الإسلامية وتخضعها قد اصطدمت من سنوات باستعصاء ميزان القوى وبمناعة القدرات الإيرانية الرادعة واستعدادات محور المقاومة وسبق ان قادت جميع الحسابات واختبارات القوة إلى رضوخ الولايات المتحدة للحقائق العنيدة عبر السير في طريق التفاوض الدولي مع إيران وصولا إلى الاعتراف بحقوقها النووية في اتفاق مكرس أمميا اضطر الرئيس ترامب إلى الخضوع لحقيقة استحالة تمزيقه وفق وعده الانتخابي فتمسك مع نتنياهو “بتطبيقه بحذافيره” مخيبا آمال الحكومتين الصهيونية والسعودية.
العمليات التخريبية الموكلة إلى إرهابيين يعملون في خدمة الحلف الأميركي الصهيوني السعودي أيا كانت هوياتهم هي التعبير عن العجز وعن تبدل ميزان القوى في المنطقة وهي لن تؤثر حكما على قوة إيران ومناعتها بل ستزيدها يقظة واستعدادا كما ستدفعها في طريق ردع الإرهابيين ومشغليهم عبر تكريس توازنات جديدة لاسيما في كل من سورية والعراق ومواصلة السير في اتجاه استئصال قوى التكفير والإرهاب واستثمار تناقضات حلف المشغلين بعد التداعيات الظاهرة نتيجة الفشل والهزائم من أعراض وتعارضات آخرها الحدث القطري والتمايز التركي.