اوروبا: الخط الفاصل بين الارهاب والانتخابات: الداد باك
ما زال من السابق لأوانه معرفة كيف ستؤثر العملية الارهابية التي حدثت في لندن على نتائج انتخابات البرلمان البريطاني غدا. العملية الدموية في مانشستر قبل اسبوعين لم تسهم في تعزيز معسكر اليمين في بريطانيا. رئيسة الحكومة المحافظة تريزا ماي، بدأت حملتها الانتخابية حول رسائل الامن الداخلي ومحاربة الارهاب واغلاق الحدود أمام اللاجئين والمهاجرين. المحافظون الذين تترأسهم يبذلون ما في وسعهم من اجل التأكيد على أن زعيم حزب الليبر، جيرمي كوربن، أحب المنظمات الارهابية في الماضي وفي الحاضر، بدءاً من الـ آي.آر.ايه الايرلندية وحتى حماس. وعلى الرغم من ذلك، اذا صدقنا استطلاعات الرأي التي جرت قبل العملية في لندن، فان حزب الليبر قلص الى درجة كبيرة الفجوة أمام الحزب الحاكم، ويمكن أن تحدث مفاجأة سياسية .
إن زيادة قوة حزب الليبر في الاستطلاعات بدأت قبل العملية في مانشستر التي قتل فيها 22 شخصا. بريطانيا ليست الحالة الوحيدة في اوروبا التي ساهم ازدياد الارهاب الاسلامي في ازدياد قوة اليمين السياسي، بل ساهم ذلك ايضا في ازدياد دعم الجمهور لليسار والوسط، وفي بعض الحالات ايضا أدى الى استبدال الحكم.
في 11 آذار 2004، قبل الانتخابات العامة في اسبانيا بثلاثة ايام، نفذ مخربون من القاعدة عدد من العمليات في قطار في مدريد، وقتل فيها 192 شخصا وأصيب 2000. كانت هذه هي الهجمة الارهابية الاصعب في تاريخ اسبانيا وفي اراضي اوروبا. الحكومة المحافظة في اسبانيا سارعت الى القاء المسؤولية على المنظمة السرية الباسكية “إي.تي.ايه” رغم الادلة الكثيرة التي أشارت الى القاعدة. إن تأييد الحكومة المحافظة في اسبانيا للحرب الثانية ضد العراق، خلافا للرأي العام في اسبانيا والذي يعادي الولايات المتحدة، أوجد الخشية لدى المحافظين من أن الصلة بين العمليات في مدريد وبين الارهاب الاسلامي ستزيد من معارضة الجمهور للتدخل العسكري في العراق وتضر بفرص الحزب الحاكم للانتصار في الانتخابات.
إن نفي الخلفية الاسلامية للعمليات انشأ حالة السهم المرتد: الحيلة السياسية للحكومة جعلت مصوتي اليسار والوسط يتجندون ضدها، الامر الذي جعل المصوتين الذين يميلون لتأييد المحافظين يمتنعون أو يصوتون مع حزب المعارضة الاشتراكي.
هناك مثالان يعززان فرضية أن العمليات في اوروبا قد تؤدي الى نتائج عكسية – أي زيادة قوة احزاب اليمين التي تعارض سياسة الحدود المفتوحة والهجرة وزيادة قوة الاسلام في اوروبا. بعد العملية التي قام بتنفيذها مسلم من تونس في سوق عيد الميلاد في برلين في كانون الاول 2016 – العملية الارهابية الاصعب في المانيا منذ الالعاب الاولمبية في ميونيخ في 1972 – توقع الكثيرون زيادة قوة حزب اليمين الجديد “البديل لالمانيا”، وضعف المستشارة انغيلا ميركل وحزبها المحافظ، المسيحي الديمقراطي. بأثر رجعي تبين في الانتخابات المحلية أن ميركل قد تفوقت. صحيح أن البديل سجل عدد من النجاحات ودخل الى ثلاثة مجالس محلية، إلا أن التأييد له كان متواضعا وتراوح بين 5.9 في المئة و7.4 في المئة فقط.
إن العمليات الدموية التي نفذها داعش في تشرين الثاني 2015 في باريس، قبل الانتخابات المحلية ببضعة اسابيع، وقتل الشرطي الفرنسي في الشانزليزيه في نيسان الماضي قبل بضعة ايام من جولة التصويت الاولى للانتخابات الرئاسية، لم تؤد الى أي تغيير في النتائج. “الجبهة القومية” برئاسة مارين لوبين زادت من قوتها كجهة سياسية هامة، لكن الالتفاف التقليدي لمصوتي الاحزاب المؤسساتية ضدها وضد حزبها، غطى على تأثير العمليات الارهابية وأبقى حزب اليمين القومي المتطرف في المعارضة.
عندما أعلنت تريزا ماي قبل شهرين ونصف عن الانتخابات المبكرة، كان يبدو أن “السيدة الحديدية” الجديدة ستنتصر بدون أي صعوبة. أما الآن فيزداد الخوف من مفاجأة بريطانية اخرى تزعزع العالم – هذا اذا لم تكن الاستطلاعات كاذبة.
اسرائيل اليوم