الحرب المفتوحة: طهران وأنقرة أم الرياض وتل أبيب؟
ناصر قنديل
– كل ما نشهده يمكن إدراجه تحت عنوان الحرب السعودية على إيران، فالقمم التي عُقدت في الرياض وشارك فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بصفة ضيف شرف ثمن بطاقة حضوره خمسمئة مليار دولار، ليست إلا ترجمة لانضمام أميركي إلى حرب سعودية ولو أحبّ البعض اعتبار القمة استحماراً أميركياً للعرب واستعماراً جديداً أخذ أموال السعودية ورحل. فالوقائع تقول إن غسيل التمويل السعودي للإرهاب وتظهير السعودية بتغريدات تويتر أميركية رئاسية قائداً للحرب على الإرهاب قد تمّ في جيوب ترامب شخصياً، واستبدلت السعودية اتهامات دولية وأميركية موثقة في الكونغرس والمحاكم بمسؤوليتها عن رعاية الإرهاب وتمويله بكبش فداء متفق عليه هو قطر، يصلح لأن يكون تعويضاً عن المال المدفوع للرئيس الأميركي بضوء أخضر منه حمله على اعتباره الحملة على قطر بداية نهاية الإرهاب .
– لا قضية أميركية عند إيران تستحق الحرب بمنطق المصالح المباشرة. مصلحة «إسرائيل» ومصلحة السعودية الحليفتين هي التي صارت مصلحة أميركية عليا، واحدة بقوة الإمرة وثانية بقوة المال، والحصيلة تجنيد واشنطن في خدمة الحرب السعودية «الإسرائيلية» على إيران، وليست معركة قطر إلا ما يسمّيه الأميركيون عسكرياً بالتقرّب من القلعة وتنظيف البيت من المشاكل، فبعض عقاب قطر لوقوفها في منتصف الطريق في العلاقة مع إيران، ولو من باب الانتهازية السياسية، ومثلها الأزمة مع تركيا. في واشنطن لا شيء يفسرها إلا منطق الحرب مع إيران، التي لم تقم لها أنقرة حساباً في استدارتها بعد هزيمة الحلف المشترك مع الرياض وواشنطن وتل أبيب على سورية، فارتضت شراكة مع إيران من بوابة أستانة. وحتى الملف الكردي السوري والعراقي والنفخ بهما نحو الانفصال بعض من ترجمة تعطيل قيام دولة قوية في سورية والعراق، ضمن مفهوم الحرب «الإسرائيلية» السعودية، والهدف الأبعد إيران.
– عندما تُعيّن واشنطن القاتل المحترف الذي دبّر اغتيال القيادي في المقاومة الشهيد عماد مغنية مسؤولاً لملف إيران في المخابرات الأميركية، بعد قمم الرياض مباشرة، فهي تترجم ما تقرّر بإعلان الحرب، وعندما يتولى تنظيم داعش تنفيذ عمليات أمنية كبرى في العاصمة الإيرانية طهران، ما كانت ممكنة قبل تشكيل غرفة عمليات أميركية خليجية تضع كل المعلومات والعملاء وأجهزة التنصّت والأموال والجغرافيا والعلاقة بالمجموعات الإرهابية والقدرة على تحريكها والمتابعة عن قرب، على طاولة واحدة، فإن الأمر يشبه تماماً عملية اغتيال الشهيد مغنية بعد غرفة عمليات مشابهة، ويصبح تفصيلاً شكلياً إسناد المهمة لداعش وتسهيل وصول جماعتها للأهداف وتزويد المعنيين بقيادتها بالمعلومات والتفاصيل والأموال والسلاح والمتفجرات، وتاريخ المخابرات الأميركية حافل بالأمثلة المشابهة عن كيف يحدث مثل هذا النوع من العمليات بالواسطة، ويسمّونه بالنوم مع الشيطان.
– مايكل دياندريا بتوقيع مباشر وراء تنفيذ عمليات طهران، وتوقيع محمد بن سلمان على توفير الذخائر والأموال، ومعهما آخرون في الخليج باعهم الأمني طويل في عملية الشهيد مغنية، بالتزويد بالمعلومات والتفاصيل اللوجستية، وداعش الذي أعلن مسؤوليته أداة تنفيذ يقول في بيانه إن كل إدعاءاتهم بالحرب على الإرهاب كاذبة، فهم المشغّلون والمموّلون ولا زلنا نحن الضحايا.
– الغارات الأميركية في البادية السورية قرب التنف هي الرسالة الميدانية التي تقول لطهران عن الهدف المطلوب ليتوقف الاستهداف، كما الإعلان الكردي في العراق عن الاستفتاء على الانفصال يقول لأنقرة عن المطلوب من وحي رسالة قطر فعلى طهران ارتضاء تسليم الحدود بين سورية والعراق لميليشيات تديرها المخابرات الأميركية، وإلا سيستمرّ مسلسل زعزعة الاستقرار في إيران، وعلى أنقرة ارتضاء التسليم بخصوصية كردية على حدودها مع سورية وإلا ستستسلم أو تسقط قطر.
– الردّ لم يتأخر في طهران. على الأقل حُسم الأمر، وفي أنقرة مؤشرات أولية تستحق المتابعة بعد تصديق معاهدة الدفاع المشترك مع قطر في البرلمان التركي وما تتيحه من نشر قوات تركية في قواعد عسكرية في قطر، لكن في طهران الأمر لا لبس فيه، الإعلان عن تحميل المسؤولية لواشنطن والرياض عن العمليات الإرهابية والتعهّد بالرد، وبيان الحلفاء في سورية بالتوعّد بالردّ على الغارات الأميركية قرب التنف، وصولاً لاستهداف التجمّعات الأميركية في سورية والمنطقة.
– الصراع مفتوح بين ثنائيتين لصياغة النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط: ثنائية استانة ترعاها روسيا بين طهران وأنقرة، وثنائية الرياض وتل أبيب بعد تقديم قطر قرباناً على مذبح التفاهم السعودي «الإسرائيلي»، برعاية أميركية. وبينما الثنائي السعودي «الإسرائيلي» أضعف، لكنه أشدّ تماسكاً وحسماً، يبدو الثنائي الإيراني التركي أقوى، لكنه يحتاج حسماً تركياً للخيارات، وأن ينتبه الأتراك أن الحرب لا تريد إسقاط إيران من النظام الجديد، بل إحلال السعودية بدلاً من تركيا كشريك لإيران وتحسين شروط «إسرائيل».