مقالات مختارة

الرياض أقنعت ترامب بعدم نقل السفارة: ناحوم برنياع

 

عندما وعد ترامب في ذروة الحملة الانتخابية بأن ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس لم تكن له فكرة عما يتحدث. كان يعرف أن رؤساء سابقين منعوا بتوقيعهم نقل السفارة، وهذا كان يكفيه. كل أسلافه جبناء، فاسدون، خفيفو العقل وعديمو الطاقة. كل قراراتهم كانت غبية. أنا، فقط انا، سأعيد أمريكا إلى عظمتها .

الكثير من المياه تدفقت منذئذ في نهر الفوتوماك. فقد تحركت ادارة ترامب كالسكران من أزمة إلى أزمة، من حادثة إلى حادثة. ما يحصل في السياسة الداخلية يحصل بقوة أكبر في السياسة الخارجية. تراجع ترامب امام الصينيين. أضعف الناتو وابعد اوروبا. حاكمان لدولتين فقط سعداء لانتخابه: رئيس روسيا بوتين وملك السعودية ابن الـ 82 سلمان.

السعودية هي التفسير لانعطافة ترامب في مسألة السفارة. فقد وقع ترامب في حب النظام السعودي لان أوباما مقته. والامور التي اثارت أوباما لا تحرك شعرة واحدة في غرة ترامب. لا قمع النساء، لا انتهاك حقوق الانسان، لا الفساد، لا الحرب في اليمن ولا التمويل عديد السنين للشبكات الدينية والاجتماعية المتطرفة.

الصفقة التي عرضها عليه السعوديون كانت بسيطة: صفقة سلاح كبرى، في مرحلتها الاولية تصل إلى اكثر من 100 مليار دولار، وبعد ذلك تتطور إلى ربع تريليون، وبالمقابل خطوات أمريكية ضد إيران. تطبيق شطري الصفقة موضع شك: فالنظام السعودي يعاني في هذه اللحظة من نقص شديد في الاموال النقدية، وليس واضحا من أين سيأتي كل هذا المال الكثير. والرئيس الأمريكي سخي جدا في الخطاب، ولكنه خواف كبير عندما يدور الحديث عن الافعال. وزير دفاعه ورئيس الامن القومي، وهما جنرالان شبعا حروبا، غير متحمسين من فتح جبهة عسكرية ضد إيران.

لقد دخل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في الصفقة السعودية من البوابة الخلفية. ليس بسبب الفلسطينيين، بل بسبب الشارع العربي والإسلامي. وقال له الحكام السنة ممن التقوه في الرياض ان نقل السفارة من شأنه أن يخرج الجماهير إلى الميادين.

ترامب ليس مناهضا لإسرائيل وليس مؤيدا لإسرائيل. هو لا يكره المسلمين رغم أنه وعد بطردهم جميعهم من أمريكا في الحملة الانتخابية. وهو لا يحب المسلمين رغم انه رقص معهم الدبكة بانفعال، بمرافقة طرق السيوف، في القصر في الرياض. محبته يحفظها لنفسه، وكراهيته يحفظها للاعلام الأمريكي. هو معني بالانجازات للمدى القصير، بالمال، بالمظاهر. هذه كانت ثلاثة اهداف حملته في الشرق الاوسط وفي اوروبا. كان له هدف آخر، خفي، ان يشطب عن جدول الاعمال التحقيق بالعلاقات بين قيادته والروس. وفي هذا فشل. لقد اخطأ اليمين الإسرائيلي بترامب. فالشبهات تجاه أوباما، وبالاساس الاخفاقات في فهم السياسة والمجتمع الأمريكي وفي فهم عالم المرشح المنتصر، أعمت عيونه. صحيح، ترامب لم يذرف دمعة امام صورة طفلة فلسطينية في غزة. الجانب الوجداني والاخلاقي في الاحتلال لا يعنيه. فهو يفكر بتعابير العقارات، كما قال لي واحد عمل سابقا في الادارة. الفلسطينيون هم اصحاب العقارات. يجب ان تعاد اليهم القسيمة او ان تشترى. هذه هي الصفقة.

قبيل زيارته هنا أعد الإسرائيليون خطابات ملتهبة ضد إيران، على امل أن يحفزوه للعمل. أما هو فقاطعهم في منتصف حديثهم. وقال لهم في الموضوع الإيراني انا متفق معكم تماما فلننتقل إلى الموضوع التالي: الضفة الغربية. ماذا تقترحون. ما هي الصفقة. هكذا لا تنقل السفارة.

يوجد، بالطبع، غير قليل من المفارقة في أنه في الاسبوع الذي احتفل فيه رئيس وزراء إسرائيل باليوبيل الخمسين لوحدة القدس، عاصمة إسرائيل، إلى أبد الآبدين، اختطف بصفقة محرجة كهذه من الصديق الاكبر في البيت الابيض. حقيقة أنه هو وزملاءه في الحكومة اضطروا لان يقولوا ان هذه البصقة هي مجرد مطر، خيبة أمل خفيفة، تضيف اهانة إلى الضربة. لهذه الدرجة هم جبناء على الاعتراف بخطأهم في فهم ترامب لدرجة انهم يخافون من تغريداته.

لقد رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بعواصم الدول في الماضي ولكن إسرائيل هي الدولة الودية الوحيدة التي تنال معاملة مهينة كهذه. والمسؤولية عن ذلك تقع أساسا على كاهل حكومات إسرائيلية على أجيالها. فمسألة القدس كانت مثل مسألة الافراج عن بولارد. ذكرها رؤساء وزراء إسرائيل فقط كي يتمكنوا من ان يقولوا للصحافيين عند خروجهم من البيت الابيض انهم ذكروها. لم يضعوها أبدا على رأس جدول الاعمال.

رابين كان يمكنه ان يحقق ذلك في 1995. ولكنه خاف من أن ينقل السفارة كي لا ينقل العالم الإسلامي ليصبح ضد إسرائيل بالضبط عندما تكون البوابات تفتح، بفضل المسيرة السلمية. وكان بوسع رؤساء وزراء من اليمين أن يخوضوا صراعا ولكنهم تركوا هذا. وعلى الطريق طمسوا التمييز بين القدس والضفة: المستوطنات كانت هامة لهم من ناحية حزبية اكثر من القدس. وهذا هو الوضع اليوم: سهل أكثر على نتنياهو أن يجمد البناء في شرقي القدس من البناء في قلب السامرة.

ولما كانوا لم يصرخوا، فإن جمهورهم لم يصرخ. نقل السفارة تعني اليهود في اليمين الأمريكي اكثر مما تعني اليهود في اليمين في إسرائيل.

ان الضربة التي تعرضنا لها ليست خفيفة، ولكن اهميتها العملية محدودة. القدس هي عاصمة إسرائيل حتى بدون السفارة الأمريكية، مثلما هي إسرائيل دولة يهودية حتى بدون مصادقة خطية من ابو مازن. فالناطق بلسان البيت الابيض قال امس ان نقل السفارة ستنتقل والسؤال هو فقط متى. وهكذا شبه السفارة الأمريكية بالمسيح: هو أيضا سيأتي ذات مرة، والسؤال هو فقط متى.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى