لا كيان كردي في سورية عنوان أستانة المقبل
ناصر قنديل
– كشفت الصفقة التي فضحتها صواريخ كاليبر الروسية وتصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بين داعش والجماعات الكردية المسلحة بمقايضة تسليم سلمي للرقة بتأمين ممرات انسحاب آمن منها إلى البادية السورية، أولوية قيام سلطة كردية محلية في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة لدى هذه الجماعات الكردية على انضوائها في ظلال وطنية سورية، تتضمّن حق المشاركة في صياغة شكل نظام الحكم والدستور الجديدين من ضمن منظومة التمسّك بوحدة التراب السوري. وجاءت التحذيرات الصادرة عن هذه الجماعات للحشد الشعبي بعدم دخول الأراضي السورية في محافظتي الحسكة ودير الزور ولو من ضمن تفاهم مع الدولة السورية لقتال داعش، تأكيداً على هذه الأولوية من جهة، وعلى حصرية المرجعية الأميركية في صياغة توجّهات هذه الجماعات، ولو على حساب هويتها السورية وصدقية الحرب على داعش في آن واحد.
– خلال سنوات الحرب حظيت الجماعات الكردية المسلحة برعاية خاصة ومعاملة مميّزة من الدولة السورية ومن روسيا. فرغم العلاقة الخاصة بواشنطن التي بدت ظاهرة منذ زمن غير قصير لم تتردّد الدولة السورية في التغاضي عن أحداث دموية أصابتها على يد هذه الجماعات في محافظة الحسكة، وفتحت الباب لحمايتها في منبج بوجه التهديد التركي في لحظة تخلٍّ أميركي بائن، وسهّلت فتح طريق القامشلي حلب دمشق بيروت بالتنسيق معها، بينما حرصت روسيا على خوض معارك فرض مشاركة هذه الجماعات في جولات التفاوض في جنيف، رغم الغياب الأميركي عن ساحة الضغط على حلفائها لفرض المكوّن الكردي وحضوره، حتى وقعت فضيحة الصفقة مع داعش فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير.
– الصفقة مع داعش على حساب الحرب مع التنظيم المتخذ عنواناً للتشكيلات الكردية المسلحة وللاحتلال الأميركي لجزء من سورية، أكبر من حدث تكتيكي أو ممارسة ميدانية، بل هو تعبير عن استراتيجية أميركية يرتضيها الأكراد ترسم الأولويات وفق القراءة الروسية والسورية، تقوم على أولوية نشوء خصوصية كردية عسكرية اقتصادية سياسية تستوحي تجربة كردستان العراق، تعطّل معها مساعي الحلّ السياسي، وتمدّد لحسابها الحرب على داعش بنقل التنظيم من بقعة إلى بقعة، وتحصل خلالها واشنطن على تغطية احتلالها بصفتها معاوناً لجماعة محلية ذات مشروعية وحقوق وخصوصية، وفي الشمال الشرقي لسورية ثروات نفطية وزراعية وعدد محدود من السكان سينقص أكثر مع هيمنة لون واحد من مكونات المنطقة على سائر الألوان، ما يجعلها أشدّ إغراء للأميركي كبديل عن الفشل في الإمساك بكلّ سورية. فالدويلة الكردية غير المعلنة هي سورية المفيدة بنظر الأميركيين، بالتواصل مع مشروع السعي للتمدّد بجماعات أخرى لإكمال الإمساك بالحدود السورية العراقية، ولو بشريط رقيق يستند عمقه لمناطق السيطرة الكردية، وعندها ما حاجة واشنطن لحلّ سياسي في سورية، بينما تبدو إدارة الفوضى أشدّ فائدة؟
– تحوّلات استراتيجية سينتجها الوضوح السوري والروسي والإيراني لما يجري، وهو وضوح يبدو أنه تركي أيضاً، ما سيجعل لقاء أستانة المقبل أشدّ أهمية من قبل لأولوية سيصير عنوانها منع تحوّل الخصوصية الكردية إلى مشروع استهداف لوحدة سورية. وهذا مغزى كلام الرئيس الروسي عن القلق من أخطار لتقسيم سورية، كما هو مغزى استخدام صواريخ كاليبر الاستراتيجية لإيصال رسالة مفادها، أنّ الأمر خط روسي أحمر.
– كانت المعادلة منذ جنيف 1 حتى جنيف 6 تدور تحت عنوان لا تسوية سياسية إلا بأولوية الحرب على الإرهاب. واليوم يبدو أنّ المعادلة صارت لا صدقية للحرب على الإرهاب بلا تمسّك بوحدة سورية. ومثلما كان السعي لحلف قوامه الشراكة في الحرب على الإرهاب كمدخل للشراكة في الحلّ السياسي في سورية، سيصير السعي لحلف قوامه التمسك بوحدة سورية شرطاً للشراكة في حلف الحرب على الإرهاب والحلّ السياسي في سورية، وتبدو أستانة عنواناً يرمز للمهمّة المقبلة.