مقالات مختارة

حصر الصوت التفضيلي: ضد “مصلحة المسيحيين”! ليا القزي

 

إتكمن «مصلحة المسيحيين»، وفق أرقام الناخبين

بعد أن توافقت القوى السياسية على «شِبِه» نسبية في قانون الانتخابات، وفق الـ15 دائرة، انتفت الحاجة إلى حصر الصوت التفضيلي في القضاء. يُدرك التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية ذلك، فلا يمانعان النقاش فيه، على العكس من تيار المستقبل

المطالبة باستعادة «الدور المسيحي» في الدولة، عبر وضع قانون جديد للانتخابات النيابية يضمن صحّة التمثيل، أعمت عيون مسؤولي الأحزاب التي تتبنّى خطاباً «مسيحياً». تحت هذا العنوان العريض، تتفرّع مطالب و«ضوابط»، توحي وكأنّ أصحابها بعيدون جداً عن المنطق السياسي، ولعبة الأرقام… و«مصلحة المسيحيين». الشعارات في أغلب الأحيان شعبوية، وبلا مضمون جدّي، والأخطر أنها تحمل في طياتها هوى تقسيميّاً. وبعد المطالبة بنقل المقاعد المسيحية من الدوائر «الخوارج» على جبل لبنان، يأتي حصر الصوت التفضيلي في القضاء. «طَبَل» النائب جورج عدوان أُذن النائب سامي الجميّل، خلال اجتماعات الأحزاب المسيحية في بكركي، وهو يُطمئنه إلى أنه «لا خوف من الصوت التفضيلي، لأنّ كلّ طائفة ستكون معنية بإيصال نوابها».

كان ذلك قبل أن يطوي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية صفحة اتفاق بكركي (اتُّفق على النسبية وفق 15 دائرة، ولم يلحظ الاتفاق نقل المقاعد من دائرة إلى أخرى، ولا حصر الصوت التفضيلي في القضاء)، ويتحول حصر الصوت التفضيلي في القضاء إلى مطلبٍ أساسي في عملية الاتفاق على قانون جديد، على اعتبار أنّه يُبدّد «الخوف من طغيان طائفي».

يعترف التيار والقوات بأن حصر الصوت التفضيلي فقَدَ تأثيره بعد تصغير الدوائر

تنصّ المادة 27 من الدستور اللبناني على أنّ «عضو مجلس النواب يُمثّل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تُربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه». يعني ذلك أنّه، رغم التوزيع المناطقي للنواب والناخبين، لا يجوز تقديم الانتماء الطائفي أو المناطقي على الانتماء الوطني والسياسي. على الرغم من ذلك، لم يلقَ طلب القوات اللبنانية والتيار العوني معارضة من القوى السياسية. بل إنّ تيار المستقبل كان من أشدّ المؤيدين له، لحسابات تتعلّق بمقعدَي مدينة صيدا.

قبل أيام، ارتفعت حظوظ القانون القائم على النسبية وفق 15 دائرة، على الشكل الآتي: جزين ــ صيدا، النبطية ــ بنت جبيل ـــ مرجعيون ــ حاصبيا، الزهراني ــ صور، زحلة، البقاع الغربي ــ راشيا، بعلبك ــ الهرمل، بعبدا، جبيل ــ كسروان، عاليه ــ الشوف، المتن، عكار، طرابلس ــ المنية ـــ الضنية، الكورة ــ زغرتا ـــ بشري ـــ البترون، بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، الصيفي، المدور والمرفأ)، بيروت الثانية (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة والباشورة). صُغّرت الدوائر إلى أقصى درجة، وشُوّهت النسبية، وبات حصر الصوت التفضيلي في القضاء بلا أي قيمة، ولكن بقي الإصرار عليه «لزيادة صحة التمثيل الحقيقي للمسيحيين»، بحسب مصدر في القوات اللبنانية. يتناقض هذا الكلام مع أرقام الناخبين في الدوائر، حيث يتبيّن أنّ مصلحة المسيحيين تكمن في تحرير الصوت التفضيلي. في دائرة مثل الزهراني وصور، يؤدي تحرير الصوت التفضيلي إلى رفع عدد الناخبين المسيحيين في الدائرة، القادرين على التأثير في مقعد الزهراني الكاثوليكي، من 25 ألف ناخب، إلى أكثر من 37 ألفاً، ما يجعل عدد الناخبين المسيحيين في الدائرة مساوياً لمتوسط عدد الناخبين الشيعة لكل مقعد. ويرفع ذلك من قدرة «الأحزاب المسيحية» على التأثير في المقعد المسيحي الوحيد في الدائرة. وفي دائرة النبطية ــ بنت جبيل ــ مرجعيون ــ حاصبيا، تستطيع أصوات المسيحيين في بنت جبيل أن تسهم في حسم هوية النائب المسيحي في مرجعيون، لا سيّما أنّه من أصل 16000 ناخب مسيحي في بنت جبيل، اقترع في الدورة الماضية قرابة 22%، من دون وجود نائب مسيحي في الدائرة، ومن دون أي معركة فيها. هذه النسبة المرتفعة تدلّ على أن المسيحيين حاضرون سياسياً في بنت جبيل، وأن نسبة مشاركتهم في الاننتخابات سترتفع حكماً إذا ما سُمح لهم بالمشاركة في اختيار ممثليهم، في معركة فيها الحد الادنى من التكافؤ. فما الهدف من حرمانهم الاستفادة من هذا الوجود؟ كذلك فإن تحرير الصوت التفضيلي في هذه الدائرة يعني أنه سيكون هناك قرابة 45 ألف ناخب مسيحي قادرين على تحديد شاغل المقعد الأرثوذكسي في مرجعيون، مقابل معدّل 44 ألف ناخب شيعي لكل مقعد. ينطبق الأمر نفسه على دائرة طرابلس ــ المنية ــ الضنية. في المنية ــ الضنية، ثمة 15921 ناخباً مسيحياً لا أحد يحسب لهم حساب. إضافة هؤلاء إلى الـ22 ألف ناخب مسيحي في طرابلس، ستُمكّنهم من تأمين فوز مرشح مسيحي في عاصمة الشمال، «من دون منّة من أحد». لماذا الإصرار على حصر الصوت التفضيلي في القضاء، وحرمان مسيحيي المنية ــ الضنية من المشاركة في اختيار نائب مسيحي، فيما بنت الاحزاب المسيحية خطابها على «تمثيل الجميع» و«استعادة الدور المسيحي»؟ ألا يسهم تحرير الصوت التفضيلي في مشاركة هؤلاء في الانتخابات، ما يساعد على تثبيتهم في مناطقهم، بدل البحث في «تهجير» مقاعد من دائرة إلى أخرى؟

سؤال إضافي يُطرح بشأن «الصوت التفضيلي»، ولو من زاوية «غير طائفية»: هل سيتم التعامل مع كل من البقاع الغربي ــ راشيا، وبعلبك ــ الهرمل، ومرجعيون ــ حاصبيا، والمنية ــ الضنية، كقضاء واحد، أم قضاءين منفصلين ضمّتهما دائرة واحدة؟ هل سيكون الصوت التفضيلي محرراً بين كل «ثنائي» من هذه الثنائيات؟ أم أن ابن حاصبيا سيكون ممنوعاً من منح صوته التفضيلي لمرشّحي مرجعيون، والعكس؟

تختلف الأجوبة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ففي وقت تشير فيه مصادر تكتل التغيير والإصلاح إلى أنّ «الدوائر مثل البقاع الغربي ــ راشيا ستُعتبر قضاءً واحداً لأنّ المعيار هو الدائرة الانتخابية المُتّبعة تاريخياً»، تقول مصادر في القوات، مواكبة للملف الانتخابي، إنّ «السؤال استباقي، فالنقاش لم يحسم بعد هذه النقطة».

بعد تقسيم الدوائر إلى 15، توافق المصادر العونيّة على أنّ «حصر الصوت التفضيلي لم يعد له تأثير في الكثير من الدوائر». وإذا ما تمّ الاتفاق على تحريره، «فالأرجح أنّنا لن نُعقّد الموضوع». إلا أنّ مصادر قيادية في القوات توضح أنّ الكلام عن انتفاء الحاجة إلى الصوت التفضيلي «صحيح بجزء منه، ولكن لا تزال هناك دوائر يوجد فيها تأثير على المقاعد المسيحية، كصيدا وجزين». ليس صحيحاً ما تقوله المصادر، لأنّ المعركة في صيدا حول المقاعد السنية ستكون صعبة إلى درجة أنّ هؤلاء الناخبين لن يكونوا معنيين بالمقاعد المسيحية في جزين. «نعم، ولكن الصوت التفضيلي يُشكل حماية ومتمسكون بها»، تجيب المصادر في موقف يبدو أقرب إلى الحاجز النفسي منه إلى الخيار السياسي المبني على أرقام ووقائع. فعلى سبيل المثال، يُحكى أن حصر الصوت التفضيلي في القضاء يسهم في «حماية» المقاعد المارونية في كسروان من الصوت الشيعي في جبيل. لكن الاطلاع على الأرقام يُظهر العكس. فحصر الصوت التفضيلي في القضاء يسمح للناخبين الشيعة، وفق موازين القوى الحالية، باختيار نائب شيعي، والمساهمة في تفضيل مرشح مسيحي. أما تحرير الصوت التفضيلي، فسيؤدي إلى «تضييع» الأصوات الشيعية الجبيلية البالغة نحو 16529 صوتاً، في بحر من 175 ألف صوت في كسروان ــ جبيل، عوض تكبير تأثير الناخبين الشيعة وسط 81 ألف ناخب جبيليّ.

ترى القوات اللبنانية أنّ الأهم «حصولنا على الـ15 دائرة الذي يضرب منطق الديمقراطية العددية، ويُحدّ من تأثير المحادل ويُشكل حماية للتمثيل». لا يكتمل ذلك «من دون الصوت التفضيلي ونقل المقاعد». في ما خصّ الشرط الأول «مُتمسكون بها ولكن كل شيء قابل للتفكير. البحث حالياً هو كيفية احتساب الأصوات». أما في الشرط الثاني، «فسنذهب بالنقاش حتى النهاية، لأنّ الحجج التي تُقدَّم لنا غير مقنعة. إلا أننا لن نُعرقل الاتفاق على قانون».

أمام نصف الاستدارة العونية والقواتية في ما خصّ الصوت التفضيلي في القضاء، لا يبقى مُتشدداً في المطالبة بحصر هذا الصوت سوى تيار المستقبل. فعدا عن أنّ تقارير الماكينة الانتخابية الزرقاء تُشير إلى أنّ نتائج «المستقبل» في قانون الـ15 دائرة لن تكون جيدة، لا يريد آل الحريري خسارة أيّ مقعد في مسقط رأسهم، صيدا.

(الاخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى