مقالات مختارة

التصعيد السعودي ضدّ عون و«التيار» يخلط «الأوراق» ويزيد «التوتر» ابراهيم ناصرالدين

 

ثمة توقعات بـ «خلط اوراق» على الساحة اللبنانية، ثمة اسئلة كبيرة حول امكانية الفصل الحاد بين الخيارات الاقليمية والحسابات المحلية، استمرار التصعيد السعودي يحمل الكثير من المخاطر، سيترك الكثير من الندوب الداخلية على علاقة تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وحتى القوات لن تكون بعيدة عن التداعيات، حزب الله سيصبح اكثر تشددا ازاء الانتخابات النيابية ونتائجها، في ظل الهجمة «الشرسة» ضده، وستكون المخاطر الخارجية حاضرة اكثر من اي يوم مضى، وهذا ما يحتاج الى حذر شديد في التعامل مع كافة الملفات في ظل الاندفاعة السعودية غير المسبوقة والتي ضربت جهود الرئيس الحريري في التقارب مع الرئاسة الاولى ..

واذا كان ثمة من لا يفهم بعد سر التناقض بين استراتجيتي رئيس الحكومة سعد الحريري والمملكة العربية السعودية حيال التعامل مع رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر، فان اوساط دبلوماسية عربية خبيرة بالشان السعودي تشير ببساطة الى امرين هامين يمكن ان يفسرا هذا الامر، الاول ان المملكة لا تعمل في اطار سياسة «النفس الطويل» ولا تحب الانتظار والرهان على الوقت، فاما تكون «معنا اوضدنا». اما الامر الثاني فهو عدم وجود «امل» عند القيادة السعودية في امكانية استمالة الرئيس عون لتبني استراتيجيتها في المنطقة، وعندما ابلغها الحريري بقراره المضي بالتسوية الرئاسية، مع وعد قدمه برؤية «نسخة» جديدة من «الجنرال» في بعبدا، قالوا له صراحة لا نؤمن بذلك، ولكن بامكانك خوض التجربة على مسؤوليتك، وعندما تكتشف ان خيارك ورهانك كان خاطئا «انزع الشوك بيديك»…

وبحسب تلك الاوساط، فان المملكة تعتقد انها منحت عون فرصة كافية لاثبات حياده كمرحلة اولى اذا كان يريد فعلا الاستدارة، لم تكن كافية زيارته الاولى للسعودية لتبديد الهواجس او «لفتح» «صفحة جديدة»، العقلية «البدوية» لا تؤمن بالاقوال وانما بالافعال، كما ان الصفح هناك يحتاج الى الوقت ولا يمكن ان يمنح مجانا، ومنذ اعلن رئيس الجمهورية موقفه الشهير من سلاح حزب الله عشية زيارته الى القاهرة، عادت العلاقات الى «نقطة الصفر» واعتبرت المملكة ان ما صدر عن عون الغى مفاعيل زيارة الرياض، وتاكد السعوديون ان «الجنرال» غير قادر على التنصل من حقيقة انه مرشح حزب الله للرئاسة.

تقصد السعوديون «اهانة» الرئاسة عبر حجب الدعوة عن القمة العربية -الاسلامية، حاول الحريري «ردم» الهوة وترطيب الاجواء لانه لا يريد ان «تنكسر الجرة» باعتباره المتضرر الاول داخليا، وطلب من الرئيس عدم التصعيد وتمرير «قطوع» القمة دون التسبب في احراج لموقفه بسبب عدم قدرته على الاعتذار، لاسباب سياسية واقتصادية، ووعده بمحاولة «ترميم الجسور» والاستفادة من وجود وزير الخارجية جبران باسيل في الوفد المرافق، لكن «تهميش» دور الوزير في القمة زاد الامور تعقيدا، «فغرد» «وتبرا» من البيان الصادر دون علمه، وذلك دون انتظار عودة الحريري او رايه، ودون انتظار جلسة مجلس الوزراء.

وما زاد من الغضب السعودي في الايام القليلة الماضية تسريب المعلومات عن نية عون توثيق العلاقة مع طهران وموسكو، اما السبب الرئيسي وراء اقفال موقع التيار الوطني الحر بالامس، وهو مؤشر على وصول العلاقة الى نقطة «اللاعودة»، كلام الرئيس عون امام وفد نادي الصحافة الذي منح خلاله غطاءً لموقف باسيل، مؤكدا ان ما قاله وزير الخارجية «صحيح 100%»، مشيراً الى أن «لبنان لا يمكنه أن يقف الى جانب طرف، ونحن لسنا مستعدين للعب هكذا دور». وكل الدول تتكلم عن محاربة الارهاب. ألا يعرفون في دول العالم من يموّل هذا الارهاب، ومن يسانده فكرياً ومالياً؟ أنتم ألا تعرفون؟ ربما لا تعرفون الحقيقة كاملة، لكنكم تعرفون قسماً كبيراً منها. ونحن في كل يوم نسمع من يكذب علينا والصدق غير موجود»… هذا الموقف تم رصده في السفارة السعودية في بيروت ورفع على الفور الى وزارة الخارجية التي رات فيه «غمزا من قناة» المملكة.

وبحسب اوساط مقربة من تيار المستقبل،حاول الرئيس الحريري خلال لقائه مع ولي ولي العهد محمد بن سلمان «تبريد الاجواء» لكنه لم يقابل باي ايجابية، وتبين له ان المملكة غير معنية «بحساباته» الداخلية. وبراي الاوساط الدبلوماسية فان ثمة حرب تخوضها السعودية دون هوادة في المنطقة عنوانها التصدي للنفوذ الايراني، وكل ما يقف في وجه هذه الحملة ولا يقدم قسطه في هذه «المعركة» يعد «خصما»، لا توجد انصاف حلول، وما حصل مع قطر خلال الساعات القليلة الماضية يشير بوضوح الى مدى «العصبية» المفرطة التي تتعامل بها المملكة، حجم التوتر مرتفع للغاية، القيادة السعودية تخوض معركة «حياة او موت» ولا تكترث لتفاصيل لبنانية صغيرة يحاول رئيس الحكومة اقناع السعوديين بها.  

وبحسب اوساط وزارية فان رئيس الحكومة في وضع لا يحسد عليه، ويشعر راهنا انه محاصر داخليا واقليميا،جهوده للتقارب مع التيار الوطني الحر والرئاسة الاولى تعرضت لهزة قوية خلال الايام القليلة الماضية، هو يدرك ان الرئيس عون استجاب لطلبه في اعتماد سياسة «متوازنة» لا تستجلب «الغضب» السعودي وجاراه في الكثير من المحطات والمواقف، وكذلك فعل الوزير جبران باسيل الذي رفع منسوب التنسيق مع «بيت الوسط» الى مرحلة غير مسبوقة خصوصا في ملف قانون الانتخابات، الامور تسير وفق التفاهم السابق للتسوية، اي ايصال البلاد الى خيار قانون الستين. الحريري يدرك ان الرئاسة الاولى لا تستطيع ان تقدم اكثر، وكذلك «التيار البرتقالي»، لكن المشكلة في ان السعودية لا تنتظر، ومواقفها زادت الامور تعقيدا، وثمة خشية من تطور سلبي للامور سينعكس حكما على قانون الانتخابات والتحالفات المفترضة اذا ما ارتفع مستوى التصعيد اكثر..وفي المقلب الاخر ثمة توتر لدى رئيس الحكومة بسبب الخشية من خصومه على الساحة السنية، هو يدرك ان المملكة تحتاج الى ادوات «للتصعيد» وثمة كثير من القوى مستعدة للقيام بالمهمة، وهذا سيكون على حسابه، لانه سيكون امام خيار من اثنين، اما التماهي مع هذا التصعيد والذهاب الى «المجهول»، او الانكفاء وهذا يعني ان آخرين سيملؤون الفراغ.. وظاهرة الوزير اشرف ريفي اكثر النماذج الدالة على جدية هذه المخاوف.

وباعتقاد تلك الاوساط، سيكون حزب الله اكثر المستفيدين من هذه «الزوبعة» السعودية، محاولات الرئيس الحريري لاستمالة الرئيس والتيار الوطني الحر تعرضت «لنكسة»، وهذا امر مفيد لانه «يحاصر» بعض اصحاب الرؤوس الحامية في التيار الوطني الحر الذين بدؤوا يراهنون على متغيرات قادمة يستطيعون الاستفادة منها عبر الالتصاق بالرئيس الحريري، وما حصل في الايام والاسابيع الماضية كفيل بتراجع هؤلاء الى الصفوف الخلفية، بعد ان برهنت السعودية انها غير مستعدة «للغفران»، وهذا يمكن ان يفتح الكثير من «الابواب المغلقة» داخليا، ويعيد الفرز الى «مربعه الاول»، كما ان ما يحصل يساهم في خفض منسوب التوتر بين جمهوري الحليفين بعد ان ساهمت مواقف الوزير باسيل في رفع منسوب «الشكوك» لدى جمهور المقاومة، واليوم يرمم هذا الاصطفاف الثقة من جديد، خاصة اذا ما اعاد وزير الخارجية «دوزنة» خطابه الداخلي بالعودة الى ثوابت التيار الوطني الحر الوطنية لا الطائفية.

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى