سر العقدة السورية
غالب قنديل
تحولت ملحمة صمود سورية ورئيسها إلى عقدة كبرى لجميع حكومات العدوان بقيادة الولايات المتحدة وسائر حكومات الحلف الاستعماري الرجعي الصهيوني بلا استثناء وخصوصا للرجعيات العربية التي تآمرت على سورية وسعت للانتقام من دورها التاريخي في تعطيل جميع الخطط الأميركية لتصفية قضية فلسطين وتكريس إسرائيل كقوة مركزية في منظومة الهيمنة الإقليمية على البلاد العربية.
الأصل في كل ذلك ان السنوات السبع عشرة الماضية منذ الغزو الأميركي للعراق وطغيان الهيمنة الأميركية على العالم شهدت صمودا سوريا عظيما في وجه التهديدات وصدا سوريا متلاحقا لعروض المساومات وإغراءاتها الكبيرة وتوسعا في دور سورية كركيزة لمحور المقاومة الذي جعل منها قوة صانعة لمعادلات جديدة من خلال دينامية رئيسها وتحركه لنسج تحالفات وشراكات دولية إقليمية واسعة.
عندما قرعت طبول الحرب على سورية لحسم الموقف وللتخلص من تمرد دمشق على المشيئة الإمبريالية الصهيونية الرجعية طيلة خمسين عاما فوجئ المخططون والمنفذون بخيبات صفعت اوهامهم ورهاناتهم بصمود كبير للشعب والجيش والدولة في هذا البلد وما زال العدوان مستمرا يتنقل من مأزق إلى آخر بينما توسع الدولة الوطنية من سيطرتها على الأرض وتتآكل قدرات عصابات الإرهاب التي حشدت من سائر أنحاء العالم .
الوجع الأكبر الذي سببته سورية لأعدائها في العالم والمنطقة هو نجاح الرئيس بشار الأسد بلغة واقعية بعيدة عن المبالغة وبمنطق المصالح الحيوية المشتركة استراتيجيا وسياسيا واقتصاديا في حشد حلفاء سورية إلى ساحة المجابهة السورية التي تحولت إلى حاضنة ولادة للتوازنات العالمية الجديدة.
من الميدان السوري ظهرت وتعاظمت القدرات الإقليمية لحزب الله وترسخت مكانة إيران كقوة كبرى في المنطقة انتزعت اعترافا دوليا بجانب من حقوقها السيادية وفرضت تفكيك الكثير من تدابير الحصار الذي فرض عليها منذ انتصار الثورة عام 1979 بينما أثبتت روسيا قدراتها الهائلة العسكرية والسياسية أمام العالم وفرضت احترام مكانتها القيادية واظهرت الصين فاعلية جديرة بمكانة العملاق الدولي الذي يدخل أبواب الشراكة الحاسمة في صنع مستقبل العالم.
جميع المحاولات لإسقاط سورية فشلت وقد وظفت لها إمكانات وقدرات خرافية سياسية واستخباراتية وعسكرية ومالية وباتت سورية عقدة تفرض حضورها في كل اجتماع دولي إقليمي سواء كان في واشنطن أم في الرياض ام في تل أبيب فصمود سورية المقاومة المستقلة وعودتها المرتقبة إلى المسرح هو كابوس مشترك بين جميع أركان الحلف الذي قاد فصول الحرب ومساومات السياسة وفشل في تدجين سورية او في تدمير دولتها وخيارها السياسي التحرري والتقدمي.
سورية تحقق إنجازاتها الدفاعية بهدوء وصبر وبتضحيات كبيرة يواصل جيشها وحلفاؤه التقدم إلى مزيد من المناطق بعد تحريرها بينما تتكفل المصالحات التي حركها الرئيس الأسد في مختلف المناطق السورية بتفكيك منظومات التمرد والوهم لاستعادة سيطرة الدولة ومؤسساتها على المزيد من المدن والبلدات.
الضربة الجديدة التي تحضرها سورية للمخطط المعادي هي فتح الطريق البري إلى العراق وهي تواصل العمل بتصميم شديد على تحقيق هذه الغاية بتفاهم وثيق مع الحكومة العراقية بحيث سيعني هذا الإنجاز إسقاط المنطقة العازلة التي أنشأتها الخطة الأميركية الصهيونية منذ تأسيس ونشر داعش في البلدين لتقطيع اوصال المنطقة ومنع التواصل العراقي السوري اقتصاديا وسكانيا وعسكريا ولمن يتذكر فقد شكل منع البلدين من التواصل هدفا استعماريا منذ مطلع القرن العشرين بتصميم بريطاني صهيوني.
الضربة التي تحضرها سورية للخطط الاستعمارية ستكون قاتلة لأن ما بعد فتح الحدود بين العراق وسورية هو غير ما قبله حكما وسترتب الخطوة تحولات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبرى على صعيد المنطقة وتوازناتها وهذا ما يخيف الحلف المعادي بجميع اطرافه وأذنابه.
لا الغارات الأميركية أو الصهيونية ولا الحملات السعودية ولا خطط توريط الحكومة الأردنية بتوسيع شراكتها بالعدوان على سورية تمثل مخارج جدية من مأزق حلف العدوان وستبين التجربة للعالم كله ان سورية الصامدة المقاومة تسير نحو انتصارها بكل ثبات وقوة وبثقة عالية بشعبها وجيشها وقائدها دون استعراض ومن غير ضجيج فالعبرة في الخواتيم العملية والميدان هو الشاهد الأكبر.