الانتخابات الإيرانية والمفاجآت
ناصر قنديل
تقدم إيران في كلّ موسم انتخابي عبرة تريدها ورسالة توجّهها وبعناية وهدوء يكون قد رُتِّب كلّ شيء لتصل الرسالة وتترسّخ العبرة. ففي إيران بعد الجمهورية الإسلامية نموذج فريد لنظام قادر على حفظ استقراره وثوابته، ومصادر قوّته، لكنه قادر في الوقت نفسه على إنتاج صيغة مرنة لتداول السلطة يلعب فيها الرأي العام وهمومه واهتماماته، وتوزعه بين تكتلاته، دوراً حاسماً، لتظهر الديمقراطية الإيرانية ملبّية تطلعات المصالح العليا للدولة بالقدر نفسه الذي تشتغل فيه آلة الاحتكام لصناديق الاقتراع لتبقيها تعبيراً عن تفاعلية جماهيرية ونخبوية، وإطاراً لقياس الأوزان والأدوار للتيارات المكوّنة بإجماليها للنظام والمتنافسة على قيادته .
– يحتلّ المرشد دور البوصلة الموجهة لدفة سفينة النظام، وتدخلاته أو إيحاءاته ليست بعيدة عن تحديد الرسالة التي تريدها إيران في كلّ موسم انتخابي، وقد كان لها ذلك في مواسم مضت، فمعها كان للرئيس محمد خاتمي وللرئيس أحمدي نجاد وللرئيس حسن روحاني معنى ودور في الرسالة الموجّهة للخارج الصديق والعدو، يتخطى حدود الشريحة التي تنتصر والتيار الذي يقود الدولة في سياساتها الداخلية. فالقيادة العليا للدولة معقودة للمرشد في حماية الثوابت وتحديد الموجّهات العاملة للسياستين الدفاعية والخارجية، وللمهمة المحورية في بناء القدرة، التي كانت ولا تزال قضية إيرانية أولى، من زمن القدرة النووية إلى زمن القدرة الصاروخية، ومعهما بناء الدور الإقليمي.
– يشكل الحرس الثوري مصدر كلمة السرّ التي تلعب دوراً منظماً وحاسماً في الانتخابات عندما يكون للمرشد ترجيحاً بتلميح أو بتصريح، والحرس الذي يشكل درع إيران ليس دكاناً سياسياً محلياً، ولا تياراً يشارك في التنافس على الحكم، ولو رغب قادته بعواطفهم وخياراتهم بأن يكون الفوز من نصيب من يرونه أقرب لتوجهات المهمة التي وجد الحرس لحمايتها، فهم حزب المرشد الذي لا يحيد قيد أنملة عن حسابه للمصلحة العليا، ويضبطون إيقاعهم بما يضمن تحقيق ما ترجوه من كلّ محطة واستحقاق. وكما كان واضحاً في رسالة وصول الرئيس خاتمي أن يشتري النظام وقتاً ليتمكن من تخطي مراحله الصعبة في ملف بناء القدرة النووية، وكان مطلوباً أن يتحدّى ويمضي قدماً في خيار البناء في مرحلة الرئيس أحمدي نجاد، كان مطلوباً أن يفاوض ويظهر مهارة الدبلوماسية لتثبيت الحقوق وقطاف ثمار الصمود، وترصيد الأرباح دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً عندما تحين الفرصة.
– هذه المرة تبدو الفوضى الثقافية التي تسود العالم، كما يبدو المشهد السريالي للديمقراطية المتهالكة بقيمها على مساحة دول الغرب، من نموذج دونالد ترامب القائم على اللانظام إلى نموذج ماكرون المصنّع كروبوت من صلب ماكينات النظام، تريد إيران لانتخاباتها أن تكون غامضة النتائج، وأن تقدّم نموذجاً لديمقراطية يجري الفوز فيها بالنقاط وتحمل الكثير من المفاجآت، فتتأرجح التقديرات وتتمّ الانسحابات ويستمرّ خلط الأوراق حتى اليوم الأخير، بل والساعة الأخيرة، ويخرج المرشد ليقول إنّ الفائز هو النظام والشعب وليس اسم المرشح الذي سيتولى الرئاسة.