التطهير السياسي في تركيا وصل الى الاكاديميا : تسفي برئيل
بصوت ناعم وهاديء، وكأنها تحدثت عن احداث تبعد عن وطنها آلاف الكيلومترات، وصفت د. أ. الخوف السائد في وسائل الاعلام التركية من الذراع الحكومية واجهزتها. الامور التي قالتها في الـ 15 دقيقة المخصصة لمحاضرتها في مؤتمر الاعلام، الذي عقد في اثينا، فاجأت الحضور. وهم عدد من الاكاديميين من ارجاء العالم الذين جاءوا لعرض تحقيقاتهم الجديدة .
إسم أ. الكامل لا يمكن الكشف عنه، رغم أنه ظهر في قائمة المحاضرين. ومن الافضل عدم ذكر اسم الجامعة التي تُدرس فيها. “أنا لست متأكدة من أنه سيكون لي عمل بعد محاضرة اليوم”، قالت للحضور. وبعد ذلك قالت لي ماذا كانت تقصد: “في كل يوم يقومون عندنا باقالة موظفين في الادارة. ثلاث مرات قاموا باستبدال العمداء في الشهور الثلاثة الاخيرة. لا يمكن معرفة ما الذي تريده الحكومة منا. وغدا يمكن أن يتم استدعائي أو استدعاء أي زميل الى مكتب العميد من اجل اقالتنا. وهم لا يقولون السبب، لكنهم يقولون إنهم حصلوا على قرار. لا يوجد عنوان ولا يوجد من نستأنف أمامه”.
مجالات البحث التي تفاخرت بها الجامعة الهامة التي تعلم بها تضررت بشكل كبير. “في كل جامعة توجد لجنة تقوم بفحص مواضيع البحث. ومن حقها أن ترفض الموضوع أو أن تقدم توصية حول زاوية بحثية. وبصفتي محاضرة قديمة أعرف كيفية صياغة الابحاث كي تتجاوز اجراءات المنع. ولكن الباحثين الشباب قد يتعرضون للخطر، لذلك أنا اقوم بارشادهم ونصيحتهم حول كيفية عدم الوقوع في الشرك”. زميلتها، وهي باحثة شابة في مجال الاعلام ايضا، قالت إنه لا يمكن في الوقت الحالي اجراء بحث ميداني في هذا المجال. الصحافيون يعبرون عن جرأة أكبر عند تغطية مناطق القتال، لكن في هذه الايام مطلوب نوع آخر من الجرأة. لا يستطيع الآن أي أحد فقدان مكان العمل من اجل التصميم على المباديء. فاذا قاموا باقالتك أو اعتقالك فأنت لن تستطيع ايصال رسالتك، واذا تنازلت وأغلقت فمك ولم تناقش، فيمكن أن تكون له فرصة للتأثير في شيء. هذا هو المنطق الصحفي الآن”.
هذا هو ايضا منطق المحاضرين في الجامعات والمعلمين في المدارس الذين لا يتجاوزهم التطهير العميق الذي تقوم به الحكومة في تركيا في كل زاوية قد يسمع فيها انتقاد. ففي الوقت الذي تحدثت فيه المحاضرة التركية عن بحثها في الاجواء المريحة في أثينا، استمر كل من نوريا غولمان وساميا افاكشا في الاضراب عن الطعام منذ 67 يوما، في شارع يوكسال في أنقرة، لاثارة الاهتمام المحلي والدولي حول اقالة آلاف المعلمين والموظفين.
“لا يوجد في تركيا مجال مضمون للبحث في هذه الاثناء”، قال بروفيسور في جامعة هامة في اسطنبول للصحيفة. في السابق لم تكن هناك أي مشكلة في اجراء مقابلة صحفية باسمه الكامل، في الشؤون السياسية ايضا. “نحن نعيش في دولة جورج أورويل، يمكنك البدء في اجراء البحث والحصول على الميزانية ايضا. تقوم باحضار مساعدين في البحث وتجري الاتصالات مع الزملاء في العالم وتشارك في المؤامرات، وكل شيء يبدو طبيعيا، لكن فجأة يصل بريد الكتروني أو مكالمة هاتفية تقول لك إن هناك تقليصات ولا يمكن الاستمرار في تمويل البحث. أو أنه يجدر طرح موضوع آخر، أو أن عليك الذهاب الى العميد من اجل الاستيضاح. الذي ينظر اليك بدوره قائلا إنه ليس هو الذي يقرر، وأن هناك لجنة يمكن الاستئناف لها.
تركيا ما زالت لم تفقد بعد مصادرها الاكاديمية. فالباحثون يستمرون في اجراء الابحاث الهامة والجديدة، ولكن الاجواء العامة هي “قطاع معين وضعت على ظهره لائحة اهداف”، قال البروفيسور، “هذا يذكرنا بالانقلاب العسكري، عندما كانت الجامعات هي الهدف الفوري لهجمات النظام. إلا أنه في هذه المرة لا تعتبر هذه ثورة، الآن يريدون اعادة بناء سياسة الاكاديميا، والنظام يقوم بذلك بشكل علني وبدون خجل”.
هآرتس