هجوم اردوغان وتأثيراته: يعقوب عميدرور
اشهر طويلة لم يذكر اسم اسرائيل بشكل سلبي في الرأي العام في تركيا، رغم أن هذه كانت فترة توتر أكثر فيها الرئيس اردوغان من مهاجمة «أعداء تركيا»، سواء في الحديث عن محاولة الانقلاب الفاشلة أو في سياق معارضة العالم لاجراءاته قبل الاستفتاء الشعبي الذي بادر اليه. وفجأة، بعد أن أحدث التغييرات التي ارادها في الاستفتاء الشعبي، حتى لو كانت اغلبية قليلة، خرج الرئيس بكلمات شديدة ضد اسرائيل – في السياق الفلسطيني بشكل عام وفي سياق تعاطي اسرائيل مع غزة والقدس بشكل خاص. الرد من تل أبيب لم يتأخر، ايضا بشدة استثنائية وبطابع شخصي .
يجب علينا التذكر أن الحديث يدور عن رئيس يتبنى موقفا اسلاميا. وبفحص مواقفه بدقة يمكن القول إنه يشبه الاخوان المسلمين أو حماس، لكن دون عنصر الارهاب. إن أي اتفاق مع اسرائيل أو أي مصلحة لن تحدث أي تغيير ايديولوجي لدى الرئيس التركي، ويجب أن لا نخدع انفسنا في هذا الامر. إنه يقف على رأس حركة اسلامية وهو يتبنى مواقف شخصية اسلامية.
صحيح أنه لا يستطيع أن يتجاهل تماما أن نصف شعبه تقريبا يفكر بشكل مختلف، ومواطنون كثيرون يتبنون مواقف علمانية أو على الاقل مواقف لا تريد تدخل الاسلام في السياسة. ولكن حزبه الذي يرأسه يقود خطا مختلفا. الاستفتاء الشعبي الاخير منحه، حسب رأيه، صلاحية ادارة الدولة حسب قناعته، هذا مغزى تصويت الاغلبية مع اجراءاته حول نقل مراكز الثقل السياسي في الدولة. من الناحية السياسية والبنيوية – سيُمكن الاستفتاء الشعبي رئيس الدولة من السيطرة دون عائق، لكن في نفس الوقت كانت هذه مصادقة اخرى على طريقه الاسلامية.
تجدر الاشارة الى أن الحديث لا يدور عن سلوك شخصي، حتى لو كان لذلك تأثير. الموقف الاسلامي في تركيا واسع، لذلك يصعب على الكثيرين الموافقة على سيطرة اليهود على القدس القديمة، وسيطرة اسرائيل على الفلسطينيين. دولة يهودية قوية في قلب ما كان ذات مرة الامبراطورية العثمانية ليس امرا يسهل هضمه من قبل كل من يتبنى مواقف سياسية ذات طابع ديني اسلامي، وليس من الصحيح تحويل الامر الى امر شخصي.
يوجد لتركيا مشكلات كثيرة لا تتعلق باسرائيل، وهي في مركز اهتمام تركيا. أولها هو امكانية اقامة دولة كردية على طول الحدود الجنوبية لتركيا. هذه الامكانية تقض مضاجعهم في انقرة. وجميع الاتراك تقريبا قلقون من هذا الامر لأن حدوث ذلك يهدد سلامة الدولة التي يعيش فيها معظم الشعب الكردي. الاتراك يخشون من أن تكون دولة كهذه أو كيان كهذا سابقة في طريق اقتسام اجزاء هامة في الجزء الجنوبي الشرقي من الدولة، الذي يعيش فيه الاكراد. وقد تجد تركيا نفسها في حرب داخل اراضي سوريا والعراق من اجل وقف الحلم الكردي، وهذا لن يكون أمرا سهلا.
هناك مشكلة صعبة اخرى وهي الهوية التركية وعلاقتها مع اوروبا. تركيا عضو في الناتو وجيشها هو الجيش الثاني من حيث الحجم في الحلف. على مدى السنين ارادت تركيا الانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ومن اجل الوفاء بالشروط كانت مستعدة لتطبيق المعايير الاوروبية ودفع ثمن داخلي باهظ. المفارقة هي أن اخصاء الجيش كقوة مهمة في الساحة الداخلية هو جزء من جهود تركيا للانضمام الى الاتحاد. إلا أن فقدان قوة الجيش نتيجة هذه العملية هو الذي مكّن من نشوء حركة اسلامية تُبعد تركيا الآن عن اوروبا وتعزز سلطة الفرد الذي كانت اوروبا تخشى منه بسبب قوة الجيش.
من الواضح الآن أنه ليس هناك فرصة لموافقة اوروبا على قبول تركيا. الصراع العلني عشية الاستفتاء الشعبي مع المستشارة الالمانية والسلطات الهولندية عمل على تلوين الصورة الواضحة بألوان قوية، ولا أحد يعتقد غير ذلك الآن. كان لدى الاتراك دائما شعور بأن الحديث يدور عن لعبة اوروبية وليس عن نية حقيقية. وقال لي مصدر تركي رفيع المستوى، خريج جامعة محترمة في سويسرا، قبل 15 سنة: «اوروبا لن تسمح بمآذن المساجد بأن يعلو صوتها على صوت اجراس الكنائس». هذا قيل في الوقت الذي كانت فيه العلمانية قوية في الطرفين. وهذا صالح اليوم، حيث أن تركيا أكثر اسلامية واوروبا تحارب حرب ثقافية ضد الغرباء. اوروبا لن تفتح ابوابها للاتراك، ويجب على تركيا أن تقرر أين ستكون.
إن محاولة تركيا الجري وراء العالم العربي والاسلامي ستفشل تقريبا. العرب يحتقرون الاتراك لأن ذكرى تعامل الامبراطورية العثمانية مع العرب لم تختف. والاخوان المسلمون في مصر تنصلوا من العلاقة مع تركيا في الفترة القصيرة التي حكموا فيها في القاهرة. وهذا يوجد الآن ايضا.
يبدو أن مهاجمة اسرائيل في الشأن الفلسطيني كانت جزءا من جهود تركيا كي تحظى بعطف الدول العربية، لكن يبدو أن هذه التجربة لن تنجح. تستطيع تركيا تلبية احتياجات حماس لكنها لن تستطيع أن تقود العالم السني كما تريد. حلم الخلافة التركية لن يتحقق لأنه لا يوجد أي عربي سيوافق على أن تحكمه تركيا.
تركيا تنتظر فترة اقتصادية صعبة. الاقتصاد نما في ظل حكم اردوغان، إلا أن تركيا تحتاج استثمارات كبيرة جدا من اجل استمرار النمو. وتغيير طابع النظام في الدولة لن يشجع الاستثمارات الخارجية. كيف سيقف النظام في وجه الضغط الاقتصادي، تصعب معرفة ذلك، لكن من الواضح أنه لن يتمكن من اتهام الآخرين بعد قيامه بالقضاء على المعارضة، وهو المسؤول بشكل واضح ووحيد عن الوضع في تركيا.
يجب ملاحظة أنه في ازمة الانقلاب الفاشل، وحسب الاستفتاء الشعبي، لم يتم ذكر اسم اسرائيل في قائمة العناصر السلبية. الادعاءات الفظة توجه لاسرائيل في السياق الفلسطيني، وهذا يستحق ردا ملائما، لكن لا يجب تحويل ذلك الى موضوع شخصي، ولا يجب الغاء المصالح المشتركة بين الدولتين سواء في مجال الاقتصاد والطاقة أو الرغبة المشتركة لكبح قوة إيران. من الاجدر التهدئة، لكن في نفس الوقت التصرف بتشدد وبدون خداع الذات.
اسرائيل اليوم