صناعة الرؤساء محمد نور الدين
فوز إيمانويل ماكرون في انتخابات الرئاسة الفرنسية. كان متوقعاً ذلك ولكن ليس بالنسبة العالية التي حققها وهي 66 في المئة .
في عام 2002 فاز جاك شيراك بالرئاسة في مواجهة منافسه جان ماري لوبان.شيراك حصّل 80 في المئة من الأصوات فيما نال لوبان فقط 20 في المئة.
في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية نالت مارين لوبان وهي ابنة جان ماري لوبان 21 في المئة.في المقارنات هي النسبة نفسها التي نالها والدها عام 2002. لكن مارين نالت في الدورة الثانية 34 في المئة. أي أن هناك 13 في المئة ليسوا معها صوتوا لها.
انتصار جاك شيراك عام 2002 الساحق يمكن تبريره إلى حد ما بالقول إنه في النهاية زعيم الحزب اليميني الديجولي وهو تيار تاريخي في فرنسا. وكان منافسه الأكبر هو الحزب الاشتراكي التاريخي أيضاً.
لكن جان ماري أفلت في الدورة الأولى وتأهل إلى الدورة النهائية على حساب المرشح الاشتراكي.
في انتخابات الأحد الماضي غاب عن المنافسة الحزب الديجولي والحزب الاشتراكي. بل إن فرانسوا هولاند الرئيس الاشتراكي أعلن تأييده للمرشح الذي فاز، ايمانويل ماكرون.
كان يمكن تبرير انتصار ماكرون لو أنه كان رئيس أحد الأحزاب التاريخية أو الرئيسية المزمنة. لكنه لم يكن كذلك. التحليل لا يجب أن يذهب إلى الدورة النهائية ولماذا فاز ماكرون وخسرت لوبان. السؤال الأساسي كيف يمكن لمرشح عمره السياسي بالكاد يتجاوز الثلاث سنوات منذ أن أصبح وزيراً للاقتصاد في عهد هولاند إلى أن أسس حزباً جديداً اسمه «إلى الأمام» قبل سنة ونصف السنة، أن ينجح في تصدر نتائج الدورة الأولى ومن ثم اكتساح خصمه في الدورة الثانية مطيحاً بمرشحي الأحزاب التقليدية والعريقة؟. كأن ينجح حزب الشاي في الولايات المتحدة بترشيح شخص يطيح بمرشحي الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
بين «ظهور» ماكرون وتربعه على عرش الجمهورية الفرنسية حكايات لا تتعلق فقط بفرنسا بل بكل دول العالم.
في عهد العولمة ليس من حواجز ودفاعات أمامها إلا ما ندر. وقد حصل ذلك منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والسعي إلى إعادة تشكيل العالم وفقاً لمراكز القوى المنتصرة في الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
في عين العملية تأتي القوة الأمريكية التي عملت على احتكار الهيمنة العالمية على مختلف المستويات. هذه الليبرالية الاقتصادية والعسكرية كانت تمارس دورها القمعي في كل مكان. من الحروب في الخليج إلى غزو العراق إلى ما سمي ب«الربيع العربي».
التفرد في الهيمنة كان عنوان ذلك.لا أحد ينسى محاولة الاتحاد الأوروبي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي إنشاء قوة عسكرية خاصة به. كان ذلك يعني التمرد على حلف شمال الأطلسي وبالتالي كسر التفوق الأمريكي. عادت أوروبا إلى بيت الطاعة. وتكرر ذلك في الولايات المتحدة؛ حيث انتصر دونالد ترامب بدعم كبريات مراكز الاقتصادات.
التحولات في أوروبا الشرقية وداخل الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفييتي كانت المثال الأبرز على صناعة سلطة سياسية جديدة اتخذت ألواناً متعددة وأسماء متعددة تبعاً للبلد. وفي النهاية كانت الليبرالية الاقتصادية العالمية المحرك الأساسي لها.
لا ينفصل وصول ماكرون إلى الرئاسة الفرنسية عن هذا المناخ الذي أراد أن يعيد تركيب فرنسا بعيداً عن الانقسامات الإيديولوجية التقليدية ليكون خير ممثل للقوى المالية العالمية من الولايات المتحدة إلى أوروبا.
وقد نجحت هذه القوى في تكتيكها المخوّف من صعود اليمين المتشدد، الذي يريد الحفاظ على الهوية الوطنية بعيداً عن تأثيرات العولمة المتوحشة. ولم يكن تأهل لوبان إلى الدورة النهائية سوى الشرط الحتمي لنجاح ماكرون لأن خيار الناخب الفرنسي حينها لن يكون صعباً لجهة تأييد ماكرون لمنع وصول مرشح اليمين المتشدد ليس إلا.
مع ذلك فإن امتحان هذه القوى الليبرالية الحقيقي سيكون في الانتخابات التشريعية في الشهر المقبل. وستحاول هذه القوى أن تجير الانتصار الرئاسي إلى انتصار نيابي. وعلى فرنسا أن تختار نوابها بنفسها هذه المرة بعدما نجح «الآخرون» باختيار رئيس لها.
(الخليج)