مقالات مختارة

أنت مُقال !: ناحوم برنياع

 

في 16 حزيران/يونيو 1974 وصل رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نكسون إلى اسرائيل في رحلة شملت مصر والسعودية وسوريا والاردن. كانت هذه هي الزيارة الاولى لرئيس امريكي يوجد في منصبه لاسرائيل. والزيارة الاولى لنكسون في البلاد. الظروف في حينه كانت استثنائية، حيث كان للرئيس دور في قضية ووتر غيت. وقد كانت الزيارة زيارة وداع أكثر من كونها زيارة عمل .

كان رئيس الحكومة اسحق رابين في ولايته الاولى. والذي كان من أكبر المؤيدين لنكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر. ولم يكن أي مغزى للزيارة باستثناء المراسيم. وبعد أقل من شهرين اضطر نكسون إلى الاستقالة.

في الاسبوع القادم سيصل دونالد ترامب في زيارته الاولى لاسرائيل. وسيزور السعودية أولا وبعد ذلك سيأتي إلى هنا. الاسرائيليون الذين التقوا مع طاقم التحضيرات فوجئوا برؤية موظفين من الادارة الامريكية لم يقوموا بتحضير الدروس البيتية. من بين جميع الفنادق في القدس، صمم الامريكيون على اختيار فندق «وولدرف استوريا» لأنه تابع لشبكة امريكية. وبعد ذلك اكتشفوا بأن الفندق لا يلبي الحاجة، ووقع الخيار كما هو متوقع على فندق الملك داود.

الامريكيون صمموا على ادخال «يد واسم» إلى برنامج الزيارة وكذلك حائط المبكى ومتسادا وايضا زيارة في بيت لحم، كضيف على السلطة الفلسطينية، ولقاءات مع رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وكل ذلك في يوم واحد. ونتنياهو من ناحيته طلب أن يتم تخصيص المساء له لوجبة احتفالية مع ضيوف كثيرين. وفي جدول من الجداول الزمنية خصصت 15 دقيقة ليس أكثر، لزيارة «يد واسم». لقد كان يتوقع من رئيس لم يغرد في الماضي أمام اقوال لاسامية لمؤيديه أكثر من ذلك.

يمكن القول ان الامور ستسير بشكل جيد في نهاية المطاف، مثلما هي كل الزيارات المشابهة، مع قليل من الضغط يمكن أن تكون صورة ثلاثية لترامب ونتنياهو وأبو مازن، حيث ستعتبر وسائل الاعلام أن هذا لقاء قمة. وترامب سيقول إن الامر «كبير» و»رائع» و»تاريخي».

إن من يهتم بالتفاصيل سيتابع قائمة المتبرعين اليهود لترامب ونتنياهو، الذين سيصلون إلى القدس. فهل سيكون رون لاودر، الذي أدلى بشهادته في الشرطة حول الهدايا التي اعطاها لنتنياهو وعائلته، ضيفا مرغوبا فيه في شارع بلفور؟ هل مريام وشلدون ادلسون اللذان لم يدليا بشهادتهما سيأتيان ويخاطران بالاستدعاء من قبل الشرطة؟ هل ستضمن لهما الشرطة اغلاق أعينها؟ خطوة صغيرة للانسانية ودراما كبيرة للوائح الاتهام الجنائية.

زيارة نكسون في 1974 لها صلة بموضوعنا ليس بسبب اسرائيل، بل بسبب «ووتر غيت». في يوم الثلاثاء بعد الظهر حسب توقيت واشنطن أقال ترامب رئيس الـ اف.بي.آي جيمس كومي. ومنذئذ المدينة تشتعل. وقد أعادت الاقالات إلى العناوين ما يسمى في السياسة الامريكية «مجزرة خروج السبت». القرار الذي اتخذه الرئيس نكسون في 20 تشرين الاول/أكتوبر 1973، اقامة ارتشيبالد كوكس، المحقق الخاص في قضية «ووتر غيت». وقد طلب كوكس من نكسون الحصول على تسجيلات المكالمات التي اجراها في البيت الابيض ونكسون رفض ذلك، فقد عرف عما يوجد فيها. أما كوكس فقد صمم على طلبه وبسبب ذلك تمت اقالته.

المدعي العام ونائبه سارا في اعقابه. العاصفة التي اندلعت فتحت الباب لاجراءات الاقالة في الكونغرس.

لاحقت «ووتر غيت» نكسون إلى القاهرة والرياض ودمشق وعمان والقدس. هناك مراسلون امريكيون يزعمون أن قضية اقالة كومي أكثر خطورة من تلك القضية. والسؤال الهام هو إلى أي درجة ستعيب هذه القضية على زيارة ترامب هنا.

تشويش فوق تشويش

كان يجب اقالة كومي في الصيف الماضي. كان خطأه هو الدمج بين الغباء والعجرفة والشعور بالقوة. لم يكن كومي شيطانيا مثل جي ادغار الذي وقف على رأس الـ اف.بي.آي. قبل 48 سنة، وابتز الرؤساء ولاحق أبرياء، لكن الاضواء جعلته لا يفهم الامور بشكل صحيح.

لقد اخطأ كومي عندما اشرك اعضاء الكونغرس في الصعود والهبوط في التحقيقات في البريد الالكتروني الخاص بهيلاري كلينتون. في البداية أدانها وبعد ذلك برأها وفي النهاية، أي قبل عشرة ايام من الانتخابات، أدانها من جديد، فقط من اجل دفن الملف في اليوم التالي. عندما تتم خطوات كهذه في عام الانتخابات تكون لها تأثيرات بعيدة المدى. الجمهوريون في الكونغرس احتفلوا والشبكات احتفلت وترامب احتفل: مؤيدوه ضرخوا «ألقوا بها في السجن»، في كل مرة سمعوا فيها إسمها.

بداية الخطأ كانت بالاعلان الاول لكومي. فبعد أن أدخل السياسيين في القصة لم يكن له مناص من مواصلة اشراكهم واعطائهم المواد المشتعلة. لقد كان أقل سخاء في تحقيق آخر، وهو التحقيق في العلاقة بين النظام الروسي وحملة ترامب واقتحام الروس لحواسيب حملة الديمقراطيين. هكذا نشأ تشويش فوق تشويش وتشويه للحقائق فوق تشويه للحقائق.

كلينتون زعمت أن بيان كومي في 28 تشرين الثاني/نوفمبر بأنه سيبدأ التحقيق من جديد ضدها، تسبب في هزيمتها في صناديق الاقتراع. وهذا الزعم لا يمكن تأكيده أو نفيه. في جميع الحالات اعلان كومي لوث الخطوات الديمقراطية وأنزل ضربة شديدة على المنظمة التي ترأسها.

كان يجب اقالة كومي من قبل الرئيس اوباما عشية الانتخابات أو بعدها على الفور، في الفترة الانتقالية. إلا أن اوباما لم يفعل ذلك لأنه هو الذي عين كومي، ولا سيما بسبب نزاهته السياسية. عرف اوباما أن الاقالة ستظهر كانتقام شخصي وسياسي. ففضل ابقاء المشكلة لمن سيأتي من بعده.

حلوى وأكاذيب

إن انتصار ترامب شطب أو على الاقل جمد بعض أسس ادارة الدولة. والاكثر ايلاما من بينها هو التعاطي مع الحقائق. كانت الاكاذيب دائما جزءا من اللعبة السياسية، لكن استخدامها كان حكيما ومدروسا. من اجل ارض اسرائيل مسموح الكذب، قال اسحق شمير، وأوضح بذلك أن هناك امورا هو غير مستعد للكذب من اجلها. في عهد ترامب حدث تراجع آخر في مكانة الحقائق: لا يوجد فرق نوعي، اخلاقي وسياسي بينها وبين الكذب. كل شيء أخبار كاذبة. والسؤال ليس كيف ستبدو خطوة معينة، بل كيف ستبدو في نظر من.

مثال من الكنيست لدينا، عندما يقوم الائتلاف دافيد بيتان بتوزيع الحلوى اثناء التصويت على عضوات في الكنيست صوتن حسب أوامره – هذا يبدو في نظر الآخرين اهانة للكنيست، أو حتى بهيمية. وفي نظر مصوتي بيتان هو شعبي وتلقائي وحقيقي. هذا دون الحديث عن ترامب.

خطة الاقالة

رسالة اقالة كومي اعتمدت على ورقة كتبها من اجل ترامب نائب المدعي العام، رود روزنشتاين. وهو نائب له وزنه، وعين في منصبه قبل كتابة الرسالة بأسبوعين فقط. وانتقاده لسلوك كومي في قضية كلينتون يناقض المديح الذي وجهه ترامب لكومي على نفس الأداء.

الحقيقة التي انكشفت خلال ساعات في وسائل الاعلام الامريكية تروي قصة اخرى. طلب كومي توسيع التحقيق حول العلاقة بين اتباع ترامب وبين الحكومة الروسية. وطلب المزيد من الميزانيات والقوى البشرية. خاف ترامب واتباعه مما سيكتشفه فقرروا تقديم الدواء على الداء. وفي اسبوع نضجت خطة الاقالة في البيت الابيض. رسالة نائب المدعي العام كانت مجرد المبرر.

في قضية «ووتر غيت» تورط نكسون واتباعه من خلال اقتحام مكاتب الحزب الديمقراطي، والامر الذي زاد التورط هو محاولة اخفاء القضية. في قضية كومي، اذا شئتم، «بوتين غيت»، تورط اشخاص من حملة ترامب الانتخابية في علاقة سرية مع دولة اجنبية معادية. وليس من الواضح الآن اذا كان ترامب قد علم بهذه العلاقة أو اذا كان شريكا فيها. الخشية الاساسية من ترامب هي بند الاخفاء.

هذا الاشتباه زاد بعد اقالة كومي. الديمقراطيون في الكونغرس يطلبون نقل التحقيق في العلاقة بين ترامب وروسيا إلى محقق خاص – مؤسسة مستقلة، قوية. عدد قليل من الجمهوريين يميلون لتأييد ذلك. وسائل الاعلام صاخبة. ترامب الذي لم يرغب في وجود كومي، يمكن أن يحصل على كومي مربع.

الولايات المتحدة توجد الآن في نوع من الحرب الاهلية، لا تشاهد في الشوارع. ايضا في زيارة ترامب إلى البلاد لن نشاهدها. ولكنها توجد في وسائل الاعلام الممأسسة وفي الشبكات الاجتماعية وفي جهاز القضاء والكونغرس. وخلافا لاسرائيل، المعارضة في امريكا مملوءة بالاشخاص والاموال. الصراع ايديولوجي وسياسي، لكن بسبب سلوك ترامب الاستثنائي، لديه جانب شخصي. في اليمين الجمهوري هناك اشخاص كثيرون يأملون اقالة ترامب. وهم يعرفون أنه اذا فرض عليه الذهاب فلن يستبدله سياسي من الحزب الخصم، بل شخص من الحزب الجمهوري، وهو نائب الرئيس مايك فينس.

لن نتحرك من بلفور

تخيلوا أنه في يوم ما، بين ايلول وتشرين الاول/أكتوبر من هذا العام، سيتحدث كل من توفا تسيموكي، مراسلة «يديعوت» وباروخ كره، مراسل القناة العاشرة، ويقولان إن المستشار القانوني للحكومة افيحاي مندلبليت توصل إلى قرار: تقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. في البيت في شارع بلفور يعقدون اجتماعا خائفا. هناك اربعة احتمالات، سيقول رئيس الحكومة. الاول هو أن يستقيل، والثاني هو عدم فعل أي شيء، والثالث الذهاب إلى الانتخابات والرابع اقالة مندلبليت.

الاستقالة ليست في الحسبان، ستقول زوجته، لن يخرجونا من هنا. ماذا يعني عدم فعل أي شيء، سيقول الابن، نحن لن نتوسل لأحد. الانتخابات ليست أمرا بسيطا، كما سيقول المحامي. الليكود قد يشكل حكومة بديلة بدوننا.

اذا كان الخيار الاول قد ألغي، كما سيقول رئيس الحكومة، وكذلك الثاني والثالث، فلا مناص من اقالة مندلبليت.

هذا رائع، سيقول الابن، إنه خائن. ولكن ماذا سنقول لوسائل الاعلام.

سنقول إننا سنقيله بسبب تناقض المسائل، سيقول رئيس الحكومة، لقد كان سكرتيري في الحكومة، مقرب جدا وسياسي جدا. ولا يستطيع اتخاذ القرارات بشأني.

هذا ما قاله خصومك حين قمت بتعيينه، سيهمس المحامي.

عيون رئيس الحكومة ستلمع، وهذا هو الامر الجيد في القرار، سيقول. كل من يحتج على ذلك في وسائل الاعلام والمعارضة والنخبة سيذكره بما قاله عندما قمنا بتعيين مندلبليت. عندها قاموا برفضه، والآن يجعلون منه إلها. كم هم متلونون – لا توجد حدود للتلون.

هذا رائع، سيقول المحامي. هذا بالضبط كان جواب ترامب على الاسئلة حول اقالة رئيس الـ اف.بي.آي.

الاحساس بالرضى يملأ الغرفة. ليس فقط تم ايجاد حل، بل هو حل عادل واخلاقي وامريكي. الآن أريد فتح زجاجة شمبانيا، سيقول رئيس الحكومة، والجميع يبدأون بالضحك. بصحة ترامب، ستقول الزوجة. بصحتنا.

يديعوت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى