إذاعة لبنان تستعيد تاريخها وتكرم كبارا من زمنها الجميل
أطلق اسمه على استديو 5 في إذاعة لبنان رياشي: الإذاعة ستعود مع حليم الرومي
إعداد فاطمة طفيلي
احتفلت الإذاعة بعد ظهر يوم الاثنين الواقع فيه 8 أيار 2017 بإطلاق اسم الموسيقار الراحل حليم الرومي على أحد استديوهاتها، استديو رقم 5، تقديرا لما قدّمه للموسيقى العربية ولـ”إذاعة لبنان”. رعى الحفل وحضره وزير الإعلام اللبناني ملحم رياشي، وذلك في مبنى الإذاعة في منطقة الصنائع.
حضر الحفل المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة، ابنة الراحل الفنانة ماجدة الرومي، رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، مديرة “الوكالة الوطنية للإعلام” لور سليمان، مدير “اذاعة لبنان” محمد إبراهيم، مسؤول قسم الدكتوراه في كلية الموسيقى في جامعة الروح القدس – الكسليك الأب بديع الحاج، مديرة البرامج في الاذاعة ريتا نجيم الرومي، الفنان رودي رحمة، قائد الاوركسترا الوطنية المايسترو اندريه الحاج، الفنان إيلي خياط ، الفنانة أميمة الخليل، رؤساء الدوائر في الإذاعة، المذيعات والمذيعون، العاملون في مختلف الاقسام وجمع من ممثلي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وكانت كلمات أشادت بالراحل وبإرثه الفني القيِّم.
رياشي:
استهل وزير الإعلام ملحم رياشي كلمته بالقول: “لا أعلم إذا كان أحد منكم يتذكّر مَن كان وزير إعلام أو رئيس جمهورية في زمن حليم الرومي. ربما تفرّد في التاريخ واحد اسمه سيف الدولة، وقرر واحد مثل حليم الرومي اسمه ابو الطيب المتنبي أن يقول فيه شعرا، فخلده“.
وأكد رياشي: “لبنان حليم الرومي، لبنان فيروز، لبنان الأخوين الرحباني، لبنان سعيد عقل، ولبنان هؤلاء العباقرة، هو الذي يبقى وكل شيء آخر يرحل. هؤلاء الكبار وإن رحلوا فحاضرون معنا دائما وابدا، وحاضرون لأننا نريد أن نبقى، نريد أن نتنشق هواء الحرية الحقيقية، هواء الأخلاق السامية هواء الأصالة، ولا هواء للأصالة إلا من هؤلاء. نريد لهؤلاء ان يبقوا وأن تتجدد الموسيقى والشعر مع هؤلاء”.
أضاف: “اليوم قررت الإذاعة اللبنانية أن تعود من جديد، وسوف تعود، تعود مع حليم الرومي حيا في أفيائها. حذار لمن سيقف في وجه تقدّم الإذاعة اللبنانية بعد اليوم، وحذار لمن يحاول أن يوقف طريقها“.
وختم الرياشي قائلا: ” نحضر اليوم مع ماجدة لنقول كلمتين لحليم الرومي، لأن الكلمة لا تكفي والكلمتين لن تكفيا، لكن نقول لحليم الرومي أنت حاضر معنا في الشعر، في القصيد، في الأغنية، في اللحن، في العبقر الذي خلّفته والذي تركته مع سعيد عقل، مع الأخوين الرحباني، مع فيروز، مع ماجدة الرومي مع كل من حضر معك ويحضر بيننا، لأننا لا نريد لزمن الكبار أن ينتهي، ولن نقبل أن ينتهي. ولماجدة نقول: غنِّي، أحبك أن تغني“.
وكان الحفل قد افتتح بالنشيد الوطني، وقدمت المتحدثين فيه رئيسة قسم المذيعين في “إذاعة لبنان” راوية عزام بمقاطع جمعت بين الثقافة وعمق التعبير عن أصالة الإذاعة الأم والواقع الذي تعيشه البلاد، قائلة: “في بلادي الضوضاء كثيرة حولنا، والكلام صار جلبة لا تفضي إلاّ للأنا، والحوار يلبس ثوب الفنى.وحده السمع ملكنا لا يأتمر إلاّ بنا، الى هودج الوجدان يحملنا، وليس إلاّ الإصغاء بيننا.
إبراهيم:
تحدث في البداية مدير إذاعة لبنان محمد إبراهيم فقال: “تنتقل في أروقة اذاعة لبنان، فتأخذك النشوة وأنت تشتمّ عبق تاريخهم وآثارهم شعرا ولحنا وأصواتا ملائكية، صدحت عبر الأثير على مدى ثمانين عاما من عمر الإذاعة. وما تملك وأنت اللبناني إلاّ أن تزهو أو تختال فرحا، لا غرورا، أن من بلدك الجميل هذا، ومن هذه البقعة من بيروت – تفتقت جماليات الصور والأخيِلة الإبداعية عن عبقريات فنية، نشرت الأغنية اللبنانية، فرددتها وترنّمت بموسيقاها وكلماتها الشعوب العربية من بغدادَ الى نجدٍ فعدن، ومن الشامِ الى مصرَ فتطوان“.
أضاف: “من هؤلاء الكبار العظام كان حليم الرومي العبقري، الذي في سنتين، عام 1937 و1938، أتمّ تحصيل علومه الموسيقية، فحاز دبلوم الدراسات الموسيقية العربية من معهد فؤاد الأول في القاهرة، وهذا الانجاز غير مسبوق في تاريخ المعهد. عرض عليه العمل في إذاعة لبنان عام 1950 لتنظيم قسم الموسيقى وإرسائه على قواعد علمية متينة، وكانت مدة العقد ثلاثة شهور وحسب، فاستبْقَتْه الإذاعة ثلاثين سنة، تفانى خلالها في خدمة هوية الأغنية اللبنانية، مطلقا العديد من المطربين، وكانت ابنته ماجدة الأغنية اللبنانية ومخملها ماجدة الرومي“.
ختم إبراهيم: “ومع أثر ضخم يداني ألفي عمل فني، منها خمسمئة وخمسون لحنا للإذاعة اللبنانية، ختم حليم الرومي مشواره الفنّي، إلاّ أنه لم يمت. ففي الحضارة الإغريقية عندما يذكرون كلمة فن، فإنهم يقصدون بها الشعر والموسيقى، لذلك كان عندهم إله الشعر وإله الموسيقى، وفي العادة الآلهة لا تموت“.
فلحة:
بدوره ألقى المدير العام لوزارة الإعلام الدكتور حسان فلحة كلمة قال فيها “كأني بهذا الاحتفال نشرّع درفتي شبابيك الأوضة العتيقة، التي سكنت وجده. أتى من خدر عروس الشطآن صور وتلألوئها، وسقى وبعده ما ارتوى. هذا الناصري الذي فتح صفحة على فضاء يزخر بحكايا مساءاتنا المشغولة بجدائل المجد والعز، ويرسم لوحات على جدران صباحاتنا بمفاتيح من سحر موسيقاه، نستقرض من شذى لحنه خميرة لعطاءات فجرنا المتثاقل بورد الهوى الحيران، فغلب علينا الوجد“.
أضاف فلحة: “هذا الذي نحن الآن، هو رد على باب الوفاء والعطاء وهو عودة من الذات الى الذات، الى ذلك، الذي تلمس فيروز الفن اسما ما كان ليكون أو يكاد، وقام على أنامل عزفه صوت سحر المدار، وفيه، ومعه البداية لقامة تسكن روح الصوت والهوى والندى والصدى، وهو الذي غنّى وأطرب وانتشى، حيث نصري شمس الدين وسعاد محمد ووديع الصافي وصباح وأسماء الخلجان والشطآن، التي تلمع وتضيء وتسكن وتستكين وتضجّ حياة على حفاف القلب“.
وتابع: “أما صورة تلك المرآة فما هي إلاّ ماجدة، التي حملت إرثا من ذهب وعسجد وكلام مباح، حتى أرست مراسيها في كل الأمكنة والمطارح، أجملها إذاعة لبنان وأحلاها.
إن هذا الحفل الذي دعا إليه معالي وزير الإعلام ملحم الرياشي، صاحب اللفتة والمبادرة لإطلاق التسمية، تسمية استديو رقم 5 على اسم الفنان المبدع الراحل حليم الرومي”. وقال فلحة: ” إن هذا الحفل هو استعادة والتفاتة لسيدة الاذاعات، وإعادة رونق للإعلام الملتزم والمبدع والحر والوطني الجامع والمتنوع والمختلف والمتعدد والغني والشفاف. وسنثبت يوما، كما فعلنا، أنه إعلام ناجح واستثمار ناجح وتربية ناجحة وإدارة رسمية ناجحة، نفاخر بها، وسنفاخر بها أكثر لنصون كبارنا وحقّهم علينا، وهم كبار كبار. للموسيقار الكبير حليم الرومي هدأة روح ما زالت ترفرف بيننا نبضا، وقد أفنى فيها زهرة عمره عطاءً وإبداعا وخلقا وثقافة، ما يزيد على أربع وستين سنة قضاها بين هذه الجدران، لتتكلم ولتحكي ولتقصّ قصصا لا يهمس فيها الا العاشقون، ولا يفقه بها الاّ هم“.
وختم فلحة كلمته بالتأكيد: “المبدعون أصحاب الذوق الرفيع، الذي نفاخر به، وتفاخر به هذه الإذاعة، والتي تستعيده، ولتكون كما كانت أو كما يجب أن تكون. أردنا دوما الحياة ولا بدّ أن يستجيب القدر. هكذا غنّى ولحّن وأبدع حليم الرومي“.
الرومي:
وكانت الكلمة الأخيرة للفنانة ماجدة الرومي التي قالت: “وكأنها حدثت بالأمس تلك الذكريات الجميلة، التي عشتها هنا، مع هذا المكان بالذات، وهذا الصرح المجيد بالذات، وهذا البيت الأول، الذي احتضنني هنا في كنف والدي“.
أضافت: “كانت الأيام سعيدة، والدنيا في سلام، وكان الفن اللبناني مواسم خير وبركة، والهوية الغنائية اللبنانية في مخاض الولادة، من أصوات لبنانية عظيمة، انطلقت من هنا بالذات، من الإذاعة اللبنانية، وهي تحمل في حناجرها كل أسرار الجمال والإبداع. كل هذه الأصوات عرفتها طفلة في بيت أبي، وربيت عليها. كل هذه الأصوات مرّت عبر والدي مؤسسا للإذاعة اللبنانية، كلّها سمعتها بحكم وظيفته ومسؤولياته، إما باكتشافها أو توجهيها أو رعايتها، وكلها تعلّمت كيف ولماذا أحبها، وكلها أسهم والدي الى جانب كبار آخرين في رفعها من مستوى الهواية الى مستوى الاحتراف، وفي دعمها بالعلم والمعرفة، وفي إحاطتها بثقافته الفنية التي أتى بها من معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية في مصر، وتوجهاته التي استقاها من أعظم محترف فني وُجد حينذاك، من إذاعة الشرق الادنى. كل هذه الأصوات مرّت من هنا من هذه الاستديوهات بالذات وهذه الممرات بالذات، وهذا الصرح المجيد بالذات، والكل الكل، إضافة الى والدي كانوا جميعا ورشة عمل وإبداع لا تنتهي. كل هذه الأصوات مرّت من القصائد المكدّسة على مكتب والدي، ومن عوده الندّي الأوتار ومن إبداعاته وإبداعات زملائه الكبار. والإذاعة في ذلك الزمن الجميل كانت كماناتٍ وناياتٍ ومدى أصوات تعيد اليَّ اليوم صدى الأيام الجميلة المباركة“.
وقالت الرومي: “هأنذا اليوم أعود الى الإذاعة اللبنانية، وتأثّري ليس بقليل. أشعر كأنني هنا، أعود الى بيتي بعد طول غربة واغتراب. أما المناسبة، فإطلاق اسم والدي على الاستوديو رقم 5 في الإذاعة اللبنانية، التي أسهم هو إسهاما كبيرا في نهضتها، وذلك برعاية كريمة من معالي وزير الإعلام الأستاذ ملحم الرياشي، مشكورا على كل جهد، وكل حماسة، وكل تقدير، وكل محبة، مع بالغ تأثر العائلة بأكملها، وفائق الاحترام، وبمباركة من سعادة المدير العام الدكتور حسان فلحة ومدير الإذاعة الاستاذ محمد إبراهيم وكل الزملاء العاملين مع المجموعة. أعود الى دار لها علينا جميعا واجب الوفاء والإسهام الفعال بإعادتها الى الواجهة الإعلامية الأولى، مع كل ما هو متوجب علينا اتجاهها من دعم وانحياز ومساندة حقيقية، لماذا؟ لأنها أهدت الينا الإبداعات التي حدّثت الدنيا عن لبنان الفن الجميل، ولأنها كانت وستبقى الأولى الناطقة باسم حناجر الذهب التي تخرجت من هنا وباسم لبنان النهضة الغنائية الحية فينا ما دمنا ودام لنا لبنان“.
وختمت الرومي بكلمة وجهتها الى والدها:”بابا أنا بحبك“.
بعد الكلمات توجه الجميع لافتتاح استديو رقم 5 حيث أزيحت الستارة عن لوحة تذكارية نحتها الفنان رودي رحمة، ثم أدت مجموعة من فرقة الفنانة ماجدة الرومي بقيادة المايسترو لبنان بعلبكي عددا من الأغاني من الحان حليم الرومي، وعرضت في الاستديو صور من أرشيف الموسيقار الراحل.
الرياشي في إطلاق اسم حليم الرومي على استوديو رقم 5:حذار أن يقف أحدمها
مديرة البرامج في إذاعة لبنان ريتا نجيم الرومي علقت على الحفل الذي أشرفت وأسرة الإذاعة اللبنانية على تنظيمه بالقول:
“انتظر سبعين عاماً ليعود اسمُه مكللاً بالغار الى الاذاعة التي أحبها وأعطى في استديوهاتها أروع الأغنيات والألحان. معالي الوزير ملحم رياشي كرّم حليم الرومي بإطلاق اسمه على ستديو ٥ .
رودي رحمة نحت تحفة بأنامله الساحرة.
ماجدة عادت إلى حيث عاشت جزءاً من طفولتها.
وكان ٨ أيار يوماً ذهبياً في عمر الإذاعة…”.