بقلم ناصر قنديل

هل الانتخابات الفرنسية نقطة تحوّل؟

ناصر قنديل

أُعطي فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة الفرنسية حجماً دولياً وإقليمياً كبيراً لدرجة وصفه بالتحوّل الكبير في السياسات، وحُشدت لصالح هذه الفكرة اعتبارات من نوع التذكير بمشروع ماكرون الحزبي الذي ولد قبل عام ورُبط به تجديد الديمقراطية التي تشكّل فرنسا واحدة من قلاعها، كما استعرض آخرون تراجع وضع الأحزاب التقليدية التاريخية، خصوصاً الحزبين الجمهوري والاشتراكي، اللذين تقاسما تاريخ فرنسا السياسي لنصف قرن وأكثر، ووصل بعض الماكرونيين للتوقف أمام ما وصفه بالبرنامج التحديثي لماكرون سواء على الصعيد الاقتصادي أو الصعيد السياسي، متحدّثاً عن وسط جديد يستند إلى جمع الرأسمالية بالاشتراكية اقتصادياً، وجمع الوطنية الفرنسية بالعولمة سياسياً، والارتكاز على الشباب ووسائل التواصل في هيكلية جديدة وصفت بالثورية على مستوى العمل الحزبي .

لدى أول تدقيق منهجي بالحملة الماكرونية فكرياً وسياسياً واقتصادياً تسقط كلّ الحجج المساقة، وينكشف ماكرون عن بدل عن ضائع لمرشح يلبّي تطلعات المصارف وكبريات الشركات الفرنسية من جهة، والحلف الذي يمثله السعوديون و«الإسرائيليون» في السياسات الإقليمية، يخلف فرنسوا هولاند، بعدما فشلت محاولات ترويض الحزب الجمهوري للمجيء بجاك شيراك جديد أو نيكولا ساركوزي جديد، يلبّي هذه السياسات، أمام تحدّيات متفاقمة تطال فرنسا واستقلالها السياسي في زمن الضعف الأميركي، ومخاطر النزوح والإرهاب في ضوء الحرب على سورية، والكساد والبطالة في ضوء الفشل الذي أصاب المشروع الأوروبي بعد سقوط الرهانات على إضعاف روسيا وترويضها كمورّد للغاز لا بديل عنه، والتحكم بموارد الطاقة الصينية عبر إخضاع إيران، وقد باءت الحملات التي قادتها أميركا والتحقت بها فرنسا لبلوغ هذه الأهداف بالفشل. وبدأ تداعي جبهة الحلفاء بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومحاولة الرأسمال غير المعولم في أميركا الانتفاض على دور الشرطي العالمي مع تبنّي وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قبل أن تطوّعه وتروّضه مؤسسات العولمة في أميركا.

ماكرون ممثل سياسة الإنكار التي يمارسها المعولمون بعد هزيمتهم، لذلك كي يضمنوا نصرهم استجلبوا الخصم المناسب إلى الحلبة، خصم يسهل وضع الفرنسيين أمامه بين خياري الذعر أو ماكرون، بعدما أبعد بطرق مفتعلة الجمهوري فرنسوا فيون الذي يُجمع المراقبون على ضمان فوزه بالرئاسة لولا الحملات التي استهدفته، وأدت إلى عدم بلوغه المرحلة الثانية ولو وصل بوجه ماكرون أو لوبان لضمن الرئاسة. وكان ضمان فوز ماركون وفقاً على حصر المنافسة بينه وبين لوبان، ويتكفل الفرنسيون بالباقي. فمشروع مارين لوبان كان يبشر الفرنسيين بالخوف من مجهول مع خطاب يهدّد بحرب أهلية بين الفرنسيين على لون بشرتهم ودينهم ويمنح الإرهاب بيئة حاضنة قوامها خمسة ملايين مسلم سيتعرّضون للتنكيل مع وصول لوبان. هذا عدا عن مجهول آخر يتمثل في استحالة خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي من دون هدمه، وهي في قلب الاتحاد وليست على طرفه، ولم يعُد لديها عملة خاصة كحال بريطانيا، ومنطقي أن تختار فرنسا بين المجهول واستمرار الحال السابق بقاء القديم على قدمه فيصل ماكرون بأصوات أقلّ من التي جاء بها شيراك عام 2002 بوجه والد لوبان، ليس تفضيلاً له بل منعاً لوصول الخوف من المجهول.

ماذا سيستطيع ماكرون أن يفعل في مواجهة التحديات الفرنسية. فعلى صعيد التحديين الأهمّ الاقتصاد والحرب على الإرهاب، تنوء فرنسا تحت أعباء لا يملك ماكرون لها أجوبة رغم الفذلكات التجميلية التي يسوقها المروّجون للماكرونية، تنشيط الاقتصاد بتخفيض الضرائب على الشركات الكبرى هي وصفة العولمة، وهي وصفة مجربة وفاشلة. فهي لن تشجع إلا شركات المال والعقارات، والمضاربات، بينما القطاع الإنتاجي الذي يحتاج لحماية جمركية فسيستمرّ بالتراجع وقطاعات العمال سترفد البطالة بأرقام جديدة. وهنا تكمن أهمية طرح فيون بإعادة صياغة الاتحاد الأوروبي وفقاً لمتغيّرات الاقتصادات الوطنية وحمايتها، أما في مواجهة الإرهاب فمشروع ماكرون مواصلة السير في وصفات هولاند القائمة على تحويل فرنسا ذيلاً للسياسات الأميركية والسير وراء السعودية و«إسرائيل»، والتعاون مع الوهابية والإخوان المسلمين، وهما الفريقان اللذان تعهّد فيون بحظرهما في فرنسا في حال فوزه.

ستأتي الانتخابات التشريعية وتحمل برلماناً يصعب على الرئيس تشكيل حكومة تشبهه مهما خيضت حملات إعلامية تسويقية ضارية، ومهما أنفق من مال واستهلك من إعلام. فالأحزاب التي نالت في الدورة الأولى نسباً متقاربة بحدود العشرين في المئة، وهي ثلاثة، اليسار الراديكالي بزعامة جان لوك ميلنشون، واليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، والحزب الجمهوري بزعامته الجديدة بعد تنحّي فيون، سيتقاسمون الـ60 التي حصدوها في هذه الدورة. وسيتقاسم ماكرون مع حلفائه في الحزب الاشتراكي وبعض الأحزاب الصغيرة الـ 40 الباقية، ونقابات العمال التي استقبلت ماكرون بالإضراب العام باقية على طريقها تعرف ماكرون جيداً ويعرفها هو ومن ورائه حيتان المال، وخطر الإرهاب باقٍ، والتطوّرات في سوريا محسومة الاتجاه لا يغير فيها تغيير الرئاسة الفرنسية التي كان أستاذ ماكرون هولاند نفسه عاجزاً عن تغييرها، ما يعني أن سنة ماكرون الأولى ستتكفل بتعريته تدريجياً أمام الفرنسيين لينال نسبة الـ7 التي وصلها هولاند بعد سنوات.

ماكرون نسخة مكرّرة عن هولاند مع ماكياج بطلاء صناعي سرعان ما يزول وتنكشف البضاعة المزوّرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى