إدارة الصراع والميدان السوري
غالب قنديل
أثارت فكرة “مناطق خفض التوتر في سورية” التي تم التوصل إلى اتفاق بشأنها خلال مفاوضات أستانا قلقا عند الكثيرين وراح البعض يثير بسذاجة الأسئلة من جديد حول النوايا الروسية على الرغم من ان المبادرة انطلقت ببيان رسمي روسي وتصريحات لكبار المسؤولين في موسكو تضعها في مكانها المناسب منهجيا ضمن أدوات إدارة الصراع التي اعتمدتها القيادة الروسية بالتكامل مع الدولة السورية والشريك الإيراني بحيث تقود كل جولة من التفاوض إلى المزيد من تفكيك جبهة العدوان على سورية سواء على صعيد كبح وتقييد حركة الدول الداعمة لعصابات الإرهاب والتكفير او ميدانيا على مستوى بنية تلك العصابات نفسها الآخذة بالتقلص بقوة التوازن العسكري.
اولا إن العودة إلى الاتفاقات السابقة التي نفذت وحصيلة ما بعدها تبين انها مكنت الجيش العربي السوري من تحرير مساحات واسعة من البلاد ودحر العصابات الإرهابية وتفكيكها سواء بفعل ما عقد من مصالحات انتهت ببسط سيادة الدولة وإلقاء السلاح أو بترحيل المسلحين الذي رفضوا تنفيذ الاتفاقات وهذا ما جعل الجيش العربي السوري مسيطرا على مساحات واسعة من المناطق السورية الآهلة بالسكان يفرض فيها الأمن والهدوء ويسترد المرافق العامة والعديد من مواقع الآثار وحقول النفط التي نهبتها عصابات التكفير واغتصبت موارد ضخمة حرمت منها الخزينة العامة السورية.
الأولويات الروسية في اقتراح صيغة المناطق منخفضة التوتر تتركز أيضا هذه المرة على مواصلة العمل لفرز الجماعات المسلحة وفك تشابكها مع جبهة النصرة وداعش وتوفير الفرص الملائمة للجيش العربي السوري لفك الحصار عن دير الزور واستعادة ريف حماه الشمالي وأرياف حلب ودمشق والتقدم نحو تحرير إدلب وتحرير الجيوب التي يحتلها الإرهابيون في الجبهة الحنوبية بدعم من العدو الصهيوني.
ثانيا إن هذه الأولويات المقصودة من وراء الخطة سوف تكون في مسار التحقق الميداني بدعم روسي وعبر انخراط القوات الروسية الحليفة الجوية والبرية إلى جانب الجيش العربي السوري وبمؤازرة كاملة من حزب الله وإيران وسائر القوى المقاتلة الرديفة على الأرض السورية.
إذن فاتفاق أستانا هو بداية لمرحلة جديدة من عملية تحرير سورية وفصل متقدم في مسيرة الخلاص الوطني بقيادة الرئيس بشار الأسد والنهج الروسي في إدارة الصراع يتقدم بالتفاهم مع الدولة السورية والحليف الإيراني بتناغم كلي وبتوزيع متقن للأدواروالمواقف وعلى نحو يتيح تثمير معادلات الميدان في التفاهمات السياسية بأسلوب القضم والهضم المتدرج الذي يمهد للتحولات الكبرى وينطوي على صدمات مفاجئة للحلف المعادي مع كل نقلة جديدة.
ثالثا ماذا عن القوات الغازية الأميركية وماذا عن الكيان الصهيوني والميليشيات العميلة وماذا عن الاحتلال التركي وماذا عن الدور الأردني السعودي المشبوه ؟ الجواب عن كل ذلك قدمه الرئيس بشار الأسد من خلال رؤية شاملة للتناقضات والأولويات بحيث ان التعامل مع هذه التدخلات العدوانية يتم من خلال التمسك بمبدأ السيادة والاستقلال ولكن الأولوية العملية الراهنة لاستعادة الدولة السورية قوتها وقدراتها هي التخلص من عصابات الإرهاب ومنع أي غطاء شرعي عن القوى المعتدية وصولا إلى التوقيت المناسب لمواجهة تلك القوى العدوانية بالموقف المناسب : إما ان تخرجوا أو نعلن عن المقاومة الشاملة ضد قواتكم حتى طردها من أرضنا دون قيد اوشرط .
أكد الرئيس الأسد على رفض الدولة الوطنية السورية الإذعان لأي شروط يراد فرضها على البلاد مقابل الانسحاب مع يقينه بأن تصفية عصابات الإرهاب او تفكيكها سيفقد الغزاة القدرة الفعلية على الاحتفاظ بمواقع احتلالها وتواجدها.
رابعا إن عودة غالبية المناطق السكانية ومواقع الموارد النفطية الرئيسية والقسم الحيوي من الحدود العراقية السورية إلى كنف الدولة السورية سيعني انتعاشا كبيرا سياسيا واقتصاديا للدولة الوطنية وقوة إضافية بل نوعية تمكنها من مواجهة تحديات تحرير سورية من الإرهاب والتصدي لخطط الغزو والهيمنة.
لن يكون دحر الاحتلال الأميركي والتدخل الصهيوني او الغزو التركي رحلة بسيطة فهذه التدخلات تم التخطيط لها لتأخير نهوض سورية عندما لاحت نذر انهيار القوى الإرهابية التكفيرية التي شكلت اداة العدوان بالوكالة لكن ترتيب الأولويات الذي عرضه الرئيس بشار الأسد والإدارة الذكية للصراع بالتكامل مع الحلفاء الدوليين والإقليميين توفر فرصا جدية في المستقبل القريب سوف تظهر بشائرها كما حصل في المحطات السابقة وصولا إلى تحرير حلب الذي ظنه كثيرون من الأصدقاء والأعداء في عداد المستحيلات وبنوا افتراضات كثيرة على تلك الاستحالة الافتراضية التي سقطت أسرع بكثير مما ظنوه جميعا.