نحن وفرنسا والغرب محمد نور الدين
تدخل فرنسا غداً الجولة الثانية الحاسمة من انتخابات الرئاسة. الجولة الأولى التي جرت قبل أسبوعين كانت متوقعة النتائج ولكنها كانت غنية بدلالاتها ومخاطرها .
أربعة مرشحين نالوا أصواتاً متقاربة إلى حد بعيد. خاسران نال كل واحد منهما حوالي العشرين بالمئة. جان لوك ميلانشون اليساري وفرانسوا فيون اليميني الوسطي. أما الفائزان فنال الأول منهما إيمانويل ماكرون الليبرالي غير الحزبي ما عدا ما سماه بتكتل «إلى الأمام» الجديد في السياسة 24 بالمئة فيما نالت مارين لوبان حوالي 21 بالمئة.
النتائج تعكس توزع المجتمع الفرنسي على أربع كتل كبيرة وكتلة خامسة تجمع مشارب مختلفة.
المفارقة أن مرشحي الحزب «الديغولي» كما الحزب الاشتراكي لم يتأهلا إلى الدورة الثانية. أي أن الانتخابات ستجري بين مرشح لا لون حزبياً محدداً له وبين مرشحة اليمين المتشدد.
كان الناخب الفرنسي لا يتردد في معارضة مرشح اليمين القومي المتشدد والتصويت بالتالي لمن يقف قبالته. لكن هذا الأمر لا يبدو غداً سلساً وتلقائياً هكذا.
فالمرشح ماكرون ليس ذلك الذي يوثق به لا يميناً ولا يساراً. فهو وافد جديد إلى السياسة وليس من إيديولوجية واضحة لما سيفعله. هو أقرب إلى أولئك الصاعدين سياسياً في بلدان أخرى من العالم كانوا يسقطون بالمظلة ويمسكون البلاد وفقاً لمراكز قوى ليبرالية ترتبط بعلاقات مع قوى مؤثرة عالمياً مثل اللوبي اليهودي ومثل الليبراليين الأمريكيين ومراكز الاقتصاد العالمي الذين هم امتداد وصدى لطروحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولا يعلن ماكرون مواقف محددة من الصراع العربي – «الإسرائيلي» مع ميل للتماهي مع السياسات الأمريكية في المنطقة وفي مناطق أخرى من العالم. وهو ما يتعارض مثلاً مع مواقف فرانسوا فيون أو ميلانشون الداعية لتغييرات في السياسة الخارجية الفرنسية بعدم التورط أكثر في الأزمات والحروب الشرق أوسطية. وبالتالي على العرب أن ينتظروا من ماكرون مواقف سلبية من الحقوق الفلسطينية ومن مقاومة الاحتلال والعمل على عدم استفزاز «إسرائيل» بل دعمها في كل المجالات.
نعتقد أن ما يهم العربي ليس السياسات الداخلية لماكرون ولا للوبان بل الموقف من القضية الفلسطينية وأزمات المنطقة تحديداً.
في هذه النقطة ليس للعربي أن يؤيد أو يعارض مثلاً خطة باراك أوباما الصحية والتي جعل ترامب من إلغائها عنواناً رئيسياً لحملته الانتخابية الرئاسية. ولا يهم العربي أن تتشدد مارين لوبان في قضايا الهجرة الخارجية إلى فرنسا.
فماري لوبان ربما تريد الحفاظ على الهوية الوطنية الفرنسية بأبعادها المختلفة؛ ففرنسا وطنها وموطنها. وربما هي تريد الحفاظ على خصوصيات ترى أنها في خطر الزوال. وغالباً ما كان القوميون الفرنسيون يرون أن المسلمين في فرنسا وغالبيتهم العظمى من أصول عربية وتركية لا يلتزمون بدقة بالقوانين الفرنسية ويريدون أن يفرضوا عاداتهم وتقاليدهم على المجتمع الفرنسي. أكثر من ذلك فإن بعض هؤلاء الفرنسيين بمن فيهم من أسلموا من الفرنسيين الأصليين باتوا يشكلون مصدر تهديد للسلم الأهلي واللحمة الوطنية والأمن العام. وتجلى ذلك في انضمام العشرات بل المئات منهم إلى تنظيم «داعش» الإرهابي وقيامهم بهجمات دموية على منشآت مدنية فرنسية في أكثر من مدينة ومناسبة.
عندما يطلق اسم اليمين المتشدد أو المتطرف على الطرف المحذر من خطر مسألة الهجرة وانتشار التطرف الإسلامي فإنه يقفز إلى الذهن لدى العربي تحديداً أن وصول مارين لوبان إلى سدة الرئاسة الفرنسية سوف يشكل خطراً على العرب والمسلمين، وهذا غير دقيق. فأي فرنسي له الحق في أن يحدد سياساته الداخلية وفقاً لمعاييره الخاصة.
أما الخطورة الكبرى أن يتظاهر قادة فرنسا الاشتراكيين أو الديغوليين أو الوسطيين أو الليبراليين بأنهم مع الحقوق الفلسطينية فيما هم لا يمارسون أي ضغط على «إسرائيل» لوقف الاستيطان فكيف للانسحاب من الأراضي المحتلة؛ وكل العرب شهود على أن ذوي النزعة الاشتراكية الفرنسية الذين كانوا الأكثر تطرفاً في الانحياز ل «إسرائيل»، واليوم يقف المرشح المتوقع فوزه، جون ماكرون بقوة إلى جانب «إسرائيل».
لذا فإن معياراً واحداً يجب أن يحدد موقفنا كعرب، ومن دون أي خجل، من انتخابات الرئاسة الفرنسية وأي انتخابات أخرى في الغرب وفي العالم،وهو مدى قربه أو ابتعاده عن سياسات «إسرائيل» العدوانية ودعمه أو عدم دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني.
(الخليج)