مقالات مختارة

عرب إبن مروان البرغوثي يدير من سان فرانسسكو حملة تضامن مع اضراب الاسرى: جدعون ليفي

 

هو إبن صديق لي، كان طفلا صغيرا في 1990 عندما تصادقت مع والده مروان البرغوثي، وكان طفلا صغيرا عند اعتقال والده والحكم عليه خمسة مؤبدات واربعين سنة. وقد التقيت مع والده في المرة الاخيرة وهو حر في تشرين الثاني 2001، عندما كان مطلوبا لاسرائيل. ويد خفية قامت بوضع مادة خفية على نوافذ البيت السري الذي كنا سنلتقي فيه، فتغير مكان اللقاء. وفي المرة التالية رأيته في المحكمة المركزية في تل ابيب .

الابن الشاب عرب البرغوثي كان في جيل 11 عند اعتقال والده، وهو الآن طالب يبلغ 26 سنة، وكانت تلف كوفية عنقه عندما جلس في محادثة على السكايب بيننا من مكان اقامته في سان فرانسسكو. التحادث حدث في هذا الاسبوع عشية عيد الاستقلال، اصوات المفرقعات في سماء تل ابيب غطت على صوته، بمشهد سريالي: حديث مع إبن “اكبر المخربين”، مثلما يسمى والده في اسرائيل، في عيد الاستقلال. إن من يعرف والده يعرف أنه كان رجل سلام مصمم، وأكيد أنه بقي كذلك. إبنه يتضامن مع مواقفه.

انهى البرغوثي الابن دراسة الماجستير في سانت ماريا في كاليفورنيا، في التحليل المالي وادارة الاستثمارات. وهناك اقتراحات عمل بانتظاره في رام الله. أنه لا ينوي الدخول الى السياسة مثل والده كي لا تعاني أمه فدوى. “العمل السياسي عندنا يعني الدخول الى السجن، وقد عانت بما يكفي”، هذا ما قاله من مكان اقامته. لقد سافر الى هناك بتشجيع من والده، لكنه أنهى اللقب الاول في جامعة بير زيت حيث تعلم والده فيها العلوم السياسية.

دبابات في رام الله

الذكرى الاولى له عن والده هي الرحلة العائلية الى تونس في 1998 أو 1999. وقد قال إنه لم ير والده قبل ذلك أو بعد ذلك سعيدا. عندما التقيت أنا مع مروان في تشرين الثاني 2001 وكانت الدبابات في رام الله قال لي إنه كان مع ابنائه في حديقة الحيوانات في رمات غان قبل ذلك بشهر. هكذا انقلب الدولاب. عرب لم ير والده في الاشهر الثلاثة قبل اعتقاله في 5 نيسان 2002 بسبب اختبائه.

في تشرين الثاني 2001 مررنا من امام البيت فأشار اليه مروان وصمت. على الاغلب كان أولاده في البيت، لكنه لم يتجرأ على الدخول. كان على قناعة أن اسرائيل تريد تصفيته. “أنا خائف، لكنني لست جبانا”، قال لي. وقبل ذلك باربع سنوات في ذكرى يوم الارض في 1997، سرنا بين الاطارات المشتعلة وتساءل “متى ستعرفون أنه لا شيء يخيف الفلسطينيين كما تخيفهم المستوطنات؟”. واقتبس أحد الاصدقاء “أنتم الاسرائيليون لكم حاضر لكن لا يوجد لكم مستقبل، ونحن الفلسطينيون يوجد لنا مستقبل وليس لنا حاضر. أعطونا الحاضر وسيكون لكم مستقبل”. وبخصوص الدبابات الاسرائيلية التي كانت على جانب الشارع قال “لا أحد يمكنه كسر ارادة شعب بالقوة العسكرية. نحن لسنا خلايا أو منظمات، نحن شعب”.

كلمة احتلال باللغة العبرية قالها بلغة ركيكة، لأنه تعلم قول الكلمة بشكل صحيح في السجن. كان مروان يشجع فريق كرة القدم لتل ابيب وكان يخشى لحظة فقدان الفلسطينيين للأمل. الآن هو يقوم بتجويع نفسه من اجل تحسين الظروف الانسانية لآلاف الاسرى الفلسطينيين. هذا ليس الاضراب الاول له عن الطعام داخل السجن، لكنه الاكبر.

البرغوثي الابن قام باطلاق حملة في الفيس بوك بعنوان “تحدي الماء والملح”، حيث يقوم مشاهير عرب وغيرهم بشرب الماء والملح أمام العدسات كتضامن مع المضربين عن الطعام، الذين يعتبر هذا هو غذاءهم الوحيد. في يوم الاحد سيصادف مرور ثلاثة اسابيع على الاضراب. وعرب يخشى على صحة والده. فمنذ اسبوعين لم يراه أحد باستثناء السجانين بعد منع المحامي من زيارته. “والدي رجل قوي، لكنه سيبلغ في هذا العام الـ 58، وهو لم يعد شابا. الاضراب سيؤثر على صحته وأنا آمل أن تظهر سلطات السجون الانسانية وتتفاوض معه. الاسرى يطلبون شروط بالحد الادنى فقط”.

عند اعتقال والده كان عرب في بيت عمه في كوبر، حيث ولد أبيه. وقد شاهد في التلفاز عملية الاعتقال وبدأ بالبكاء. كانت هذه هي اللحظة الاصعب في حياته والتي لن ينساها. ولم يعتقد أن المدة ستطول. بعد ثمانية اشهر التقى هو وشقيقه شرف مع الأب. “اذكر أنني كنت خائفا، مررنا بحوالي عشرين بوابة، كان أبي في العزل وعندما وصلنا اليه كان هناك شرطيين لحراسته وكانت كاميرات كثيرة حولنا. وقد أحببت الطريقة التي شد أزرنا بها، لم يرغب في اظهار أي اشارة على الضعف امامنا، وكنت اعرف عن التحقيق والتعذيب الذي تعرض له، لكنه أراد أن نشعر بشكل جيد”.

جميع الطلبات رُفضت

ذات مرة تم أخذ الطفل عرب الى المحكمة، وأحد أبناء عائلات ضحايا الارهاب الاسرائيليين صفعه على وجهه. وحتى بلغ عرب سن الـ 16 كان يرى والده مرتين في الشهر: 20 ساعة من المعاناة في الطريق الى سجن بئر السبع من اجل زيارة مدتها 45 دقيقة من وراء الزجاج. وبعد أن بلغ 16 سنة تقلصت الزيارة الى مرة واحدة في السنة. وفي السنوات الاخيرة سمح بثلاث زيارات فقط. عرب لم ير واحدة منذ عامين. وجميع الطلبات التي تقدمت بها أمه تم رفضها.

شقيقته تزور الأب مرتين في السنة. وذات مرة احضرت معها ابنتها تاليا (8 شهور)، والسجانون لم يسمحوا بادخالها بحجة أنها ليست قريبة من الدرجة الاولى. تاليا تبلغ الآن اربع سنوات وأختها سارة طفلة صغيرة، ولم تلتقيا من الجد أبدا، بل شاهدتاه في الصور فقط.

عرب يتذكر الزيارة الاخيرة في سجن هداريم قبل عامين. “شاهدت الشعر الابيض على لحيته، والمزيد من الشعر الابيض في رأسه. ورأيت أن أعينه اكثر احمرارا، رأيته وهو يزداد هرما، هذا الشخص يمكنه اعطاء القوة والأمل لشعب كامل. في الطريق فكرت كيف سأرفع معنوياته، ووجدت أنه يرفع معنوياتي. حدثني عن المستقبل وحثني على الدراسة. هو استاذي في الحياة. وفي كل مرة أدرس فيها أتذكر ابتسامته”.

لقد أدين والده في محكمة مدنية في اسرائيل بخمس عمليات قتل، وأنا أقول له إنه في نظر الاسرائيليين هو يعتبر ارهابيا.

لقد كانت هذه محاكمة سياسية لم تعتمد على الأدلة والحقائق. كان والدي مستقيما وواضحا: رفض هذه الادعاءات وقال إنها محاكمة سياسية. حكم عليه خمسة مؤبدات. ونلسون مانديلا ايضا حكم مدى الحياة. أبي رجل سلام وكان دائما هكذا. الامر الوحيد الذي لا يتنازل عنه هو حقوق شعبه. اسأل أي فلسطيني، ليس فقط في فلسطين بل في كل العالم، وستجد أن 90 في المئة يقولون إن سياسة أبي هي الطريق الصحيحة.

إنه لا يطلب الكثير، إلا أن حكومة اسرائيل لا تريد من يطلب حقوق الشعب الفلسطيني. في السجن ايضا يريد أبي السلام. والدعاية الاسرائيلية فقط تصوره كارهابي. مانديلا ايضا تم تصويره كارهابي وبقي في السجن 27 سنة وبعد ذلك اصبح بطلا وحصل على جائزة نوبل للسلام. أبي ارهابي مثل مانديلا.

أريد أن أقول للاسرائيليين: اذا كنتم تؤيدون مانديلا فيجب عليهم أن تعرفوا أن أبي يكرر قصة مانديلا. واذا كنتم لا تؤيدون مانديلا، فلا يهمني ما الذي تفكرون فيه. أنا متأكد أن الاسرائيليين سيعرفون ذات يوم أن الحل الوحيد هو السلام، ولن يكون لهم شريك آخر مثل البرغوثي”.

ماذا تقترح على والدك ليفعله؟

لا شيء. عندما انظر اليه والى طريقه، اعتقد أنه كامل”.

والدي ليس ارهابيا، هو شخص عادي يناضل من اجل حقوق ابناء شعبه. ليته لم يكن في السجن. لقد ضحى بحياته من اجل الحق. هذا شيء نبيل. نحن نعيش مرة واحدة، وهو اختار الطريق الاكبر من اجل العيش”.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى