بين لقائين: يوسي بيلين
في اللقاء الذي عقد بين دونالد ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) وجد الرئيس الأمريكي فرصة لتحقيق تسوية في الشرق الاوسط. «آمل أن يعود عباس هنا للتوقيع على اتفاق سلام». وقد وجد ذلك رغم كل ما قالوه له: بان اسلافه حاولوا وحطموا رؤوسهم، وان عباس يتملص دوما في اللحظة الاخيرة .
وان بنيامين نتنياهو يحمل حل الدولتين بشروط متعذرة، وان ليس لرئيس الوزراء الاسرائيلي ائتلاف كي يقود نحو تنازل عن السيطرة في الضفة الغربية وانه يخشى من سابقة 1998، (اتفاق واي الذي اسقطته شركات برلمانية بين اليمين واليسار) وبالتالي فانه سيمتنع عن ائتلاف مع اليسار، (مثلما امتنع العام الماضي). كل هذا قالوه لترامب بل واضافوا بانه خسارة على وقته الرئاسي، وان هناك امورا اخرى من المجدي الاستثمار فيها، ولكن ترامب مع ذلك لا يتراجع. فهو يرى الصورة الاخرى، التي تتضمن التهديد الإيراني، الذي يتعامل معه بخطورة، حتى وان كان لن يلغي الاتفاق الذي للقوى العظمى مع إيران. هذا الاتفاق هو بنظره الخطأ الاكبر لسلفه، (وبرأيي هو مخطيء). كما أنه استنتج بأنه رغم رغبته في فتح صفحة جديدة مع فلاديمير بوتين فان المصالح المشتركة لروسيا وإيران عميقة للغاية وانهم في موسكو لا يعتزمون تغيير الطرف للوقوف إلى جانب واشنطن في الحرب ضد آيات الله.
برأي الرئيس الأمريكي فان شركاء الولايات المتحدة هم القلقون من إيران نووية، ومن تدخلها في اماكن مثل اليمن، ومن نيتها البقاء في سوريا وبناء استحكام عسكري هام لها هناك في المستقبل القادم. كما أن الشركاء هم من يرون في داعش السُني خطرا ويطلبون التخلص منه. ويدور الحديث عن الدول العربية السنية، وبالاساس عن مصر، الاردن، السعودية واتحاد الامارات. لقد حصل ان مصالح هذه الدول تشبه جدا المصالح الاستراتيجية لاسرائيل حيال إيران وسوريا. كما أن هذه المصالح الفلسطينية، لشدة المفاجأة.
ظاهرا، يقول لنفسه ترامب، نشأت هنا فرصة تاريخية لخلق تنسيق شرق اوسطي واسع ضد المخاطر النابعة من دول شاذة ومن منظمات شاذة. ومثل هذا التعاون كفيل بأن يسهل على الولايات المتحدة تحقيق اهدافها في المنطقة، في ظل الاستناد إلى الحد الادنى من «الاحذية على الارض». فالتعاون بين الحكومات السنية وبين القوة العظمى العسكرية الاهم في الشرق الاوسط، اسرائيل، وان كان موجودا اليوم ايضا، ولكن لا ريب لديه بان اتفاقا اسرائيليا فلسطينيا كفيلا بان يؤدي إلى تحقيق المبادرة العربية من العام 2002 والتطبيع المنشود في العالم العربي (والاسلامي كله).
مثل هذه الخطوة ستخرج التعاون الجزئي وغير المؤطر إلى وضح النهار، وستسمح باقامة مثابة «غرفة طواريء» اقليمية تعمل فيها بشكل منسق اسرائيل، قسم من الدول العربية، الولايات المتحدة وربما ايضا جهات اخرى.
في اللقاء الاول، الذي عقد هذا الاسبوع بين ترامب وعباس، تأثر الرئيس الأمريكي ببراغماتية الزعيم الفلسطيني، بمعارضته القاطعة لحماس وحكمها في غزة، معارضته الشديدة لبشار الاسد، التزامه بمواصلة التنسيق الامني مع اسرائيل وفهمه بان العنف الفلسطيني تجاه اسرائيل سيمس اساسا بالفلسطينيين انفسهم. كما تأثر ترامب بموقف عباس من بوتين، بفهمه بان الولايات المتحدة وحدها يمكنها أن تحقق تسوية اقليمية، وبالتزامه بحل الدولتين الذي يتم بعده تعاون وثيق بين فلسطين واسرائيل. يخيل له أنه وجد في عباس شريكا لـ «الصفقة الكبرى» التي تحدث عنها في اثناء حملته الانتخابية وفور انتخابه ايضا.
ترامب لا يسد اذنيه لسماع تحليلات الخبراء: عباس شيخ، ليس مبنيا للقرارات التاريخية، وهو يخاف من تنازلات فلسطينية (في مجال»العودة» اساسا) من شأنها ان تكلفه الثمن الذي دفعه السادات ورابين؛ ولا يمكنه أن يتحدث باسم الشعب الفلسطيني كله، إذ من انتصر في الانتخابات البرلمانية الاخيرة كانت بالذات حماس؛ ولا يمكنه أن يجلب غزة إلى طاولة المفاوضات، لان حماس هي التي تحكمها، وهذه لن تكون مستعدة لاي تسوية اعتراف باسرائيل.
كما سمع ترامب عن عباس بان من المريح له، ولا سيما لابناء عائلته المصابين بالفساد، ابقاء الوضع القائم والتمتع به اقتصاديا، وان عباس لا يصدق الزعامة الاسرائيلية، وغيره وغيره. وعلى الرغم من ذلك، في اعقاب اللقاء (مثلما في اعقاب اللقاء مع رئيس قوة عظمى اخرى أقل من أمريكا بقليل، الرئيس الصيني، شي. جينفغ، يشعر بان هذا رجل يمكن عقد اتفاق معه.
المسألة التي يقف امامها ترامب، قبيل زيارته القريبة إلى اسرائيل هي ـ هل الخطوط الحمراء لعباس بعيدة جدا عن الحد الاقصى الذي يمكن لنتنياهو أن يتنازل عنه، حتى في اطار ائتلاف بديل، اكثر اعتدالا من ناحية سياسية، من زعامة اسرائيل اليوم؟
هذا السؤال الحرج، الذي لم يوجد له جواب حقيقي في السنوات الثمانية الاخيرة قد لا يكون له جواب حتى في الزيارة القريبة إلى القدس، غير أن ترامب يسعى إلى أن يثبت بانه قادر على ان ينجح في المكان الذي فشل فيه الاخرون. فهو يريد أن يرى بان بوسعه يأتي بالطرفين إلى نقطة المساواة في مواجهة الارهاب الاسلامي والتهديد الإيراني، ولافق اقتصادي يفتح امام الطرفين في حالة السلام.
الاتفاق موضع الحديث في 2017 يختلف عن التسويات التي جرى الحديث عنها حتى قبل عشر سنوات، لانه من الصعب تخيل ان يتضمن الاتفاق غزة أيضا او «الممر الامن» بين غزة والضفة الغربية، الذي تقرر في «اتفاق الاطار» بين بيغن والسادات في كامب ديفيد. وسيتعين على ادارة ترامب ان تأخذ على عاتقها التزاما بضمان تحقيق الاتفاق في الموعد الذي يتقرر بين الطرفين، وتخصيص ميزانية كبيرة سواء لاحتياجات الفلسطينيين أم لاحتياجات الاسرائيليين والتي تنطوي عليها اعادة الانتشار. سيتعين على الولايات المتحدة ايضا أن تبلور رؤيتها للاتفاق الاسرائيلي ـ الفلسطيني وتضمن ان تتخذ الدول العربية خطوات فورية لتنفيذ وعدها بالتطبيع مع اسرائيل، حتى قبل التحقيق الكامل للاتفاق الدائم.
في اعقاب الحديث مع عباس، يصبح الحديث بين ترامب ونتنياهو هاما، بل ومصيريا. فاذا اخذ الانطباع بان محادثه الاسرائيلي غير مستعد لان يدفع ثمن التسوية مع الفلسطينيين، فمن شأنه ـ بسبب طبيعته قصيرة النفس وعدم استعداده لان يقضي باقي ولايته في العاب دبلوماسية عقيمة ـ ان يقرر بان مستشاريه يعرفون عما يتحدثون حين يوصونه باستثمار جهوده الدولية في اماكن اخرى.
اسرائيل اليوم