ريتشارد تسأل عن مرحلة ما بعد “الحسم” في الجرود ومهتمة “بظاهرة” ريفي ابراهيم ناصرالدين
«ترتيب» الاوضاع على الحدود الشرقية، جملة «عابرة» لكن بالغة الدلالة وردت في خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله امس الاول، وكانت كفيلة في اعادة تفعيل «النشاط» في السفارة الاميركية في بيروت..لماذا؟ ببساطة شديدة لان الولايات المتحدة الاميركية مهتمة جدا في متابعة تفاصيل ما يدور في تلك المنطقة، والسفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد تضع في قائمة اولوياتها مسألتين رئيسيتين في هذه المرحلة الاولى تتعلق بطبيعة التحضيرات لاقفال ملف الجرود، لاسباب باتت مكشوفة الاهداف والخلفيات، اما المسألة الثانية فتتعلق «بظاهرة» الوزير اشرف ريفي في شمال لبنان، وهو امر يقلق تيار المستقبل، ولكن اسبابها تبقى بمعظمها مجهولة…
ووفقا لتقاطع معلومات من اكثر من مصدر في بيروت، فان السفارة الاميركية فعّلت خلال الساعات القليلة الماضية اتصالاتها مع اكثر من جهة رسمية وغير رسمية لمحاولة الحصول على معلومات حيال نوايا حزب الله ازاء الوضع على الحدود مع سوريا، بعد تلميح السيد نصرالله بان ثمة ما يتحضر في هذا السياق، سواء عبر تسوية تخرج المسلحين او عبر الحسم العسكري، خصوصا ان التقارير الميدانية الواردة الى عوكر تفيد بوجود تحضيرات على جانبي الحدود لعمل غير محدد، ولم تتوصل الاجهزة العاملة في السفارة الى خلاصات واضحة حول طبيعته سواء كان للضغط لاتمام صفقة شبيهة بتسوية «المدن الاربع»او تحضيرات جدية لمواجهة عسكرية…
هذا الحراك ياتي بعد سلسلة من اللقاءات عقدتها السفيرة الاميركية مؤخرا مع عدد من المسؤولين اللبنانيين حرصت خلالها على استكشاف مستقبل التعامل مع الجرود في عرسال ومنطقة القلمون عموما، لم تنف ريتشارد رغبة بلادها في ضرب البؤرالارهابية دون التمييز هذه المرة بين «داعش» «وجبهة النصرة» لكنها كانت تلح للحصول على اجوبة محددة وواضحة حول حدود دور الجيش اللبناني في هذه المعركة، وقدراته اللوجستية، والانعكاسات السياسية على الوضع اللبناني الداخلي..لكن السؤال الاكثر الحاحا كان يتعلق بدور حزب الله وحدود التنسيق القائم مع المؤسسة العسكرية في هذا السياق..وتكمن المفارقة الاساسية في رغبة السفيرة الاميركية بمعرفة تاثير اقفال هذا الملف، سواء بتسوية او بمعركة، على «تدخل» حزب الله في سوريا.. وكانت معنية بالحصول على جواب حول قدرة القوى السياسة اللبنانية على مواكبة ضغط دولي واقليمي لسحب مقاتلي الحزب من هناك بعد انتهاء هذه المواجهة على اعتبار ان الخطر على الحدود لن يكون موجودا كحجة تتذرع بها قيادة حزب الله للبقاء في سوريا….وتوجهت السفير الاميركية بسؤال واضح وصريح كررته على اكثر من شخصية التقتها مؤخرا،»ماذا ستفعلون اذا ما اصر حزب الله على موقفه في مواصلة الدفاع عن النظام السوري»؟ طبعا لم تحصل على اي اجابة محددة وواضحة،مع اصرار تلك الشخصيات على ترداد مواقف متشابهة تعبر عن العجز، من خلال اعتبار هذه القضية تتجاوز الساحة اللبنانية ومرتبطة بملفات اخرى ولا مصلحة للبنان بنقل التوتر الى «ساحته»… ووفقا للمعلومات فان احدى الشخصيات الرسمية سألت السفيرة عما اذا كان لديها جواب عن سؤال اكثر عمقا يتعلق بانتقاد الاميركيين لحزب الله لانه يساهم في صمود النظام السوري، وسالتها عما اذا كانت ادارة ترامب لديها بديل معقول ومقبول جاهز لاستلام الحكم؟ وهل تعمل ادارتها الان على اسقاط الاسد..فكان الجواب «كلا»…
وبحسب تلك الاوساط، لم تكتف ريتشار بالنفي فقط، وحاولت اعطاء الشخصيات الحليفة بعض التطمينات حيال الموقف الاميركي، وتحدثت بصراحة عن وجود رغبة اميركية للوصول الى صفقة مع الروس، بحيث يتخلون عن الأسد وايران، وحزب الله، وعنوان «الصفقة» دفع الثمن للروس وحدهم وليس لبقية حلفاءهم في سوريا..هذا التوجه الذي يضع اسسه ترامب يقوم على مراعاة مصالح موسكو ونفوذها، من خلال فهم عميق لما يريدونه تحديدا من الحرب في سوريا، والكلفة السياسية المطلوبة، مقابل التخلي عن الرئيس الاسد وبقاء النظام، او التخلي عن الأسد والنظام معا…ثمة اقرار اميركي ان الروس لاعب أساسي في سوريا، لا يمكن تجاوزه، لكن البحث جار عن ادوات اقناع فاعلة لفك ارتباطها بهذا المعسكر، مقابل ثمن سياسي واقتصادي، في العالم وفي المنطقة، وتقوم دول الخليج بدور فاعل كما تسعى تركيا لتقديم العون في هذا السياق..
وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، فان تطمينات السفيرة الاميركية تحتاج الى المزيد من الدقة، وفيها بعض «التدليس»لان هذا التوجه لم تتبناه واشنطن بالمعنى الحرفي، لان ترامب لم يوافق بعد على دفع أي ثمن للروس، فبراي»صقور» ادارته، اصبحت الولايات المتحدة شريكة في تقاسم المغانم في سوريا بعد بناء تحالف متين مع الاكراد، والدخول المباشر عبر القوات الاميركية الخاصة على الارض، فضلا عن الادوار التي تلعبها انقرة ودول الخليج من خلال المجموعات المسلحة التابعة لها، وكذلك ثمة دور للاردن يرسم عبر الحدود الجنوبية..واشنطن مهتمة بمصير المجموعات الارهابية، واشنطن تريد فعليا بان يكمل الروس مهمتهم ضد هذه الجماعات، لكن لا تريد ان تقبض ايران ومعها حزب الله الثمن، القضية لدى الاميركيين تتعلق بالتوقيت، وبالجهات المستفيدة.
في المقابل، تؤكد اوساط بارزة في 8آذار، ان وزير الخارجية الأميركي الذي زار موسكو بعد ضربة الشعيرات، لم ينجح في تسييل الضربة الأميركية، ولم ينجح بالضغط على الروس، من اجل تغيير موقفهم، وفهم من خلال المحادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان الروس حتى الان، غير مستعدين لصفقة كبرى، يخرج فيها الأسد، باعتبار ان الصراع اكبر واوسع من سوريا، ولا بد من تسوية ملفات أخرى عالقة….ومن هنا يعول الاميركيون على لقاء ترامب بوتين المرتقب على هامش قمة العشرين في تموز المقبل..وقد يكتشف الاميركيون متاخرين ان موسكو لا تبحث عن مقايضة في سوريا، ولا تبحث عن اثمان في منطقة تعتبرها جزء من امنها القومي..ولذلك فان سعي ريتشارد لتطمين الحلفاء غير واقعي ومبني على حسابات خاطئة، لكنها مكلفة بمهمة محددة عنوانها حزب الله وحركته المقبلة على «رقعة الشطرنج» السورية، وتسعى لتاخير اي انجاز قد يستفيد منه في «الوقت الضائع» ولذلك لا تبدو متحمسة كثيرا لحسم سريع لمعركة الجرود وترغب في كسب المزيد من الوقت ريثما تنجلي الصورة مع الروس…
لكن السفيرة لا يبدو انها تضيّع الكثير من الوقت، وفي هذا السياق توقفت اوساط سياسية مطلعة، امام انشغال ريتشارد بطرح التساؤلات والاستفسارات عن وزير العدل السابق اشرف ريفي وقدرته على التاثير خارج مدينة طرابلس، وعلم في هذا السياق ان السفارة في بيروت طلبت من ريفي تحديد مواعيد لوفود دبلوماسية اميركية ستزور لبنان قريبا، وهو امر اثار القلق لدى تيار المستقبل الذي يرى في الاهتمام الاميركي مؤشرا سلبيا له دلالاته، على الرغم من الاعتقاد السائد بان الاميركيين مهتمين بكل حركة «ناشطة» في مواجهة حزب الله، لكن الخشية لدى «التيار الازرق» تبقى من استغلال وزير العدل السابق للامر، وفرض حالته الشعبية في الشارع السني من خلال الحصول على «تغطية» اميركية لن تستطيع السعودية تجاوزها، مع العلم ان ثمة من يتحدث عن «نصائح» اماراتية قدمت للاميركيين للتواصل مع وزير العدل السابق..
(الديار)