الانتخابات الفرنسية: أزمة الطبقة الحاكمة حميدي العبدالله
كشفت نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية في جولتها الأولى عن أزمة فعلية تعصف بالطبقة الحاكمة الفرنسية التقليدية، وتحديداً في الحزبين اللذين تناوبا على حكم فرنسا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
السخط الشعبي على الحزبين التقليديّين، الحزب الاشتراكي وحزب التجمع من أجل الجمهورية اليميني أدّى إلى سقوط مدوّ لمرشحي كلا الحزبين. صحيح أنّ المرشح إيمانويل ماكرون هو مرشح فعلياً عن الحزب الاشتراكي ولكن هذا الحزب والمرشح ماكرون اضطرا إلى إنكار علاقته مع الحزب منذ استقالته من الحكومة لضمان فرص نجاحه، ومع ذلك فإنه لم يحصل على ربع أصوات الناخبين في فرنسا، لكن طبيعة توزع الأصوات على ثلاثة مرشحين آخرين، هي التي ستقود، على الأرجح إلى وصوله إلى قصر الاليزيه.
أزمة الطبقة السياسية التقليدية في فرنسا لا تتمثل فقط في النتائج التي أسفرت عنها الجولة الأولى من الانتخابات وسقوط مرشح أكبر حزبين تناوبا على حكم فرنسا منذ أكثر من سبعين عاماً، بل إنّ الفصل الأكثر أهمية في هذه الأزمة، هو ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية. من الواضح وتبعاً لتوزع الأصوات على المرشحين في الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية، فإنّ «الجمعية الوطنية الفرنسية» أيّ البرلمان المقبل سيتوزع أعضاؤه على ثلاثة تكتلات سياسية وحزبية أساسية. سيحصل حزب الجبهة الوطنية بزعامة لوبان على مقاعد في الجمعية الوطنية توازي نسبة الأصوات التي نالتها في الجولة الأولى والتي ستنالها في الجولة الثانية، ويرجح أن يكون حوالي ثلث أعضاء برلمان فرنسا المقبل من أنصار الجبهة الوطنية. وسيحوز حزب «تجمع من أجل الجمهورية» اليميني على مقاعد يقترب عددها من ثلث أعضاء الجمعية الوطنية، والثلث الأخير من أعضاء الجمعية الوطنية سيحوز عليه الحزب الاشتراكي وحزب المرشح الرئاسي الأبرز إيمانويل ماكرون.
واضح أنّ توازن القوى يجعل الرئيس الجديد، سواء كان الفائز ماكرون، وهو الاحتمال الأرجح، أو لوبان، في موقع ضعيف لا يستطيع معه أن يضع سياساته ووعوده الانتخابية موضع التنفيذ لأنه لا يملك أغلبية مريحة في البرلمان وعلى مستوى الحكومة، لا سيما أنّ الصحف الفرنسية ترجح احتمال أن تكون الحكومة الفرنسية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إما حكومة ائتلافية بين الحزبين التقليديين، أو حكومة مساكنة.
وبديهي أنّ حكومة مساكنة أو حكومة ائتلافية ستعكس خلافات دائمة تعرّض الاستقرار الحكومي إلى الاهتزاز، وقد تذهب فرنسا إلى انتخابات مبكرة برلمانية، وربما رئاسية إذا تصاعدت الأزمة.
(البناء)