بقلم غالب قنديل

المخرج الميثاقي والدستوري

غالب قنديل

طرحت مجددا فكرة إحداث مجلس الشيوخ بالتوازي مع تثبيت اعتماد النسبية حيث استمرالنقاش والاختلاف في صياغة الدوائر وقواعد التأهيل والتفضيل.

إن نظام المجلسين هو الصيغة الدستورية والميثاقية التي تشكل نقلة إلى الأمام بما يتناسب مع هوية عهد الرئيس ميشال عون التغييرية وهذه الصيغة تحقق التصحيح المنشود للتمثيل النيابي والسياسي وما اورثته انحرافات القوانين الانتخابية السابقة عن الميثاق والدستور بما شابها من تفصيل للدوائر واستباحة سياسية للتمثيل المسيحي وهو الأمر الذي يفسر التمسك بمبدأ تصحيح التمثيل كبعد رئيسي في النظر لقانون الانتخاب العتيد وهذا امر مشروع ومفهوم وضروري لتصحيح الحياة الوطنية.

إن مبدأ اعتماد نظام المجلسين في العديد من دول العالم ناتج عن حاجة الجمع بين التمثيل الشعبي العام في مجالس النواب واحتواء النزعات والخصوصيات والحساسيات الجهوية والمناطقية والطائفية وسواها داخل المؤسسات الدستورية وذلك ما أنيط تاريخيا بمجالس الشيوخ وهو ما لحظه اتفاق الطائف بالأصل واعتمده الدستور ربطا بالخطة الوطنية لتجاوز الطائفية التي نص الدستور على تشكيل هيئة عليا لوضعها وتحويلها إلى مؤسسة دائمة للحوار الوطني يرئسها رئيس الجمهورية لتتولى إعداد الاقتراحات الدستورية والقانونية التي تحقق الخطة الوطنية وتحيلها إلى مجلس الوزراء ومجلسي النواب والشيوخ وتعطيل هذه النصوص كان من أفدح العيوب والانحرافات التي تحمل مسؤوليتها حكومات ما بعد الطائف.

نظام المجلسين يحتوي عمليا كل ما سعت إليه اقتراحات القوانين المتداولة من تلبية الهواجس والحساسيات الطائفية المفهومة فمع اعتماد الأرثوذكسي في انتخاب مجلس الشيوخ يتحقق تصحيح التمثيل الطائفي وتزال آثار الغبن الخطير الذي أعقب اتفاق الطائف وتصحيح التمثيل السياسي تفي به النسبية على صعيد المجلس النيابي ولو ظل التوزيع الطائفي لمقاعد البرلمان معتمدا لحماية المناصفة كبعد ميثاقي وانطلاقا من الحرص على تثبيت الحضور المسيحي في الحياة العامة خارج حسابات العدد فهذه ميزة وطنية لبنانية ينبغي الحرص عليها لاسيما بعد ما اظهرته يوميات الحرب المدمرة التي شنت بواسطة قوى التكفير والإرهاب من استهداف للوجود المسيحي في الشرق العربي.

فكرة اعتماد النسبية الكاملة في انتخاب مجلس النواب إلى جانب إنشاء مجلس للشيوخ ينتخب على أساس القانون الأرثوذكسي تمثل مخرجا مناسبا لمأزق قانون الانتخاب الراهن وهي اليوم الوصفة التي تتسم بطابع ميثاقي ودستوري وهي من قلب مباديء الطائف ونصوصه ويمكن عبرها إحداث نقلة تغييرية كبرى في الحياة الوطنية تتناسب مع الطموحات والتطلعات التغييرية التي انعشها انتخاب الرئيس ميشال عون.

مما لاشك فيه ان التفاهم على توزيع صلاحيات التشريع بين المجلسين وصياغة القواعد الدستورية الناظمة لعمل السلطة التشريعية بنظام المجلسين والاتفاق على تفاصيل أخرى يثيرها الموضوع يستتبعها السير في هذا الخيار وهو امر بديهي وطبيعي ينبغي الخوض فيه مهما كلف الأمر بدلا من الصيغ العديدة التي تشعب النقاش حولها مؤخرا .

ومن الطبيعي ان يتم العمل المكثف حول نظام المجلسين بروحية التسوية والوفاق الوطني واعتمادا على مضمون خطاب القسم والتزام الرئيس عون بتصحيح التمثيل ولابد من إقران خطوة إصلاحية كبرى بحجم استحداث مجلس الشيوخ بتشكل الهيئة العليا لتجاوز الطائفية ومباشرة عملها لتوجيه القوانين والتشريعات صوب هذا الهدف المعلق في لبنان منذ ميثاق 1943 .

بنظام المجلسين ستكتسب الحياة السياسية ديناميكية جديدة وسيجري احتواء جميع الهواجس المفهومة بمضمون إيجابي وسوف تتقدم المباراة في البرامج على فعل العصبيات على المدى الزمني الأقرب ولو حصل تغيير بهذا الحجم سيكون لبنان خطا تاريخيا إلى الأمام وبات محصنا أكثر من احتمال تحول أي اختلاف سياسي إلى شبح خضة طائفية تهدد الوحدة الوطنية فقد بينت التجارب المرة انه حين تضيق المؤسسات بالهموم والمطالب والهواجس يشتعل الشارع ويهتز الاستقرار وتقف الحياة الوطنية على شفير المخاطر … اليوم تبدو هذه النقلة النوعية أقرب إلى الواقع فهل تلتقط الفرصة أم تفوت مرة أخرى؟!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى