مأزق جديد للاستراتيجية الأميركية في سورية حميدي العبدالله
اندلع خلاف جديد بين أكراد سورية والأتراك بعد قيام الطيران التركي بالاعتداء على مقرّ رئيسي لوحدات الحماية الكردية. وقد طالبت وحدات الحماية الكردية الولايات المتحدة بتحديد موقفها من الاعتداء التركي، ولكن واشنطن اكتفت بالإعلان عن أنّ الاعتداء لم يكن منسّقاً معها، والأرجح أنّ هذا الموقف لن يرضي وحدات الحماية الكردية. صحيح أنّ هذه الجماعة غير قادرة على قطع تعاونها مع الولايات المتحدة بعد أن ذهبت بعيداً في الاعتماد على المعونات العسكرية الأميركية، ولكن صحيح أيضاً أنها لا تستطيع أن تقبل سياسة أميركية قائمة على الجمع والتعاون بينها وبين القوات التركية في سورية.
معروف أنّ الخلاف بين أكراد سورية وتركيا هو الذي أجّل حتى الآن انطلاق معركة طرد داعش من الرقة على أيدي التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وبديهي أنّ هذا التطور الميداني الجديد سيزيد من إرباك الاستراتيجية الأميركية في سورية.
تركيا ما بعد الاستفتاء مصمّمة على محاربة أكراد سورية بذريعة تأييدهم لحزب العمال الكردستاني الذي شنّ هجمات ضدّ المواقع العسكرية التركية، والاعتداءات التركية على مواقع سورية تتواجد فيها وحدات الحماية الكردية مستمرة في أكثر من منطقة بالقرب من الحدود السورية – التركية. وبديهي أنّ هذه الاحتكاكات الميدانية تؤجّج العداء بين تركيا ووحدات الحماية الكردية، وهما الحليفان اللذان تعتمد عليهما واشنطن لخلق مرتكزات نفوذ لها في سورية وتوسيع مرتكزات النفوذ هذه، ومثلما قاد الصراع بين وحدات الحماية الكردية والحكومة التركية إلى إفشال خطط أنقرة الطموحة في ريف حلب الشمالي والتي كانت تسعى إلى إقامة منطقة سيطرة تشمل مناطق تزيد مساحتها على خمسة آلاف كيلومتر مربع، ودفع تركيا إلى الإعلان عن انتهاء عملية «درع الفرات»، فإنّ الخلاف الكردي التركي الجديد سيلقي بظلاله بقوة على معركة طرد داعش من الرقة، ومن شأن ذلك أن يشكل مأزقاً إضافياً للاستراتيجية الأميركية في سورية، يضاف إلى مآزقها الأخرى التي تتمثل في عجزها عن تشكيل قوة يعتدّ بها من الجماعات المسلحة تحت مسمّى «المعارضة المعتدلة» وتراجع حجم ونفوذ المسلحين المرتبطين بها لصالح التنظيمات الدينية المتشدّدة والتي ترتبط بغالبيتها بتنظيم القاعدة، كما تتمثل في مواجهة تحدّي الوجود العسكري الروسي المساند للجيش السوري في حربه على الإرهاب، حيث يحدّ هذا الوجود عسكرياً وسياسياً من قدرات واشنطن على وضع استراتيجيتها الرامية إلى إسقاط الدولة في سورية موضع التنفيذ.
(البناء)