أكراد سورية أمام المفترق
ناصر قنديل
– يواجه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أصعب لحظات سياسية منذ حضوره في الحرب السورية، وبعدما نجح في حجز مقعد قوة حاضرة ولاعب رئيسي، بمعزل عن قبول أو رفض أو الاعتراض على السياسات التي انتهجها، لكن هذا الحزب المتأثر بأفكار وتوجّهات حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل في تركيا دفاعاً عن حقوق الأكراد، التقط المزاج العام لأكراد سورية بالنظر لتركيا كعدو وقوة احتلال، ورفض الدخول في صفقة تضمن له دور اللاعب الثانوي في الميليشيات التي تديرها تركيا والسعودية، وتحمّل بسبب ذلك إقصاءه عن صيغ التفاوض في جنيف، من دون أن يخسر مكانه في الميدان وينجح باستدراج عروض الدول الكبرى، في موسكو وواشنطن خصوصاً، وصولاً للتحوّل إلى الذراع الرئيسية للأميركيين في الحرب السورية، ومنحهم امتيازات أمنية وعسكرية استراتيجية في مناطق سيطرته.
– إذا كان بعض قيادات أكراد سورية قد اشترى الوهم ذاته الذي اشترته قيادات أكراد العراق من الأميركيين بدعم نشوء كيان كردي مستقل، فإنّ مرور أربعة عشر عاماً على الاحتلال الأميركي للعراق دون تنفيذ هذا الوعد تقول لهؤلاء السوريين المراهنين على الموقف الأميركي لقيام كيان كردي ماذا ينتظرهم، لكن بعض القيادات الكردية الأخرى، وهي الأغلبية باتت على يقين، بعد تجاربها مع الأميركيين، بأنّ وعود قيام كيان مستقلّ أو فدرالية، لا يمكن صرفها في الواقع مع وجود معادلات سورية داخلية وإقليمية ودولية معقدة لا تتيح استسهال التفكير بهذه الخيارات بمجرد الحصول على كلام أميركي أثبتت الأيام أنه عرضة للتبدّل مراراً. وتكتفي هذه القيادات باعتبار العائد المجزي لهذه العلاقة مع واشنطن هو منع الاستفراد التركي بأكراد سورية، وجعلهم هدفاً لحربهم في سورية، بعد فشلهم في تحقيق الهدف الأصلي وهو السيطرة على سورية، وتسليمهم بخطوط حمراء يرسمها الدور الروسي، ليصير النزاع التركي الكردي قائماً على كيف سترسم واشنطن خطها الأحمر، وهل سيكون الأكراد من ضمنه؟
– قدّم الأكراد للأميركيين كلّ ما يريدونه، فمنحوهم الجغرافيا التي يسيطرون عليها، ومعها شرعية شعبية لتدخّلهم، وتتيح لهم الادّعاء بأنهم ليسوا قوة احتلال، وفقاً للخطاب السوري الرسمي الذي يرفع عنهم غطاء الشرعية القانونية، وقاتلت الميليشيات الكردية ضدّ الجيش السوري بطلب أميركي، لإبعاده عن منطقة الحسكة، واشترى الأكراد غضب شرائح سورية تتشارك معهم وستتشارك على مرّ الأزمنة المقبلة مستقبل عيش واحد، فاضطروا لتبلية مقتضيات توسع الجغرافيا العسكرية الأميركية أن يوسّعوا جغرافيتهم السياسية عنوة، بضمّ مناطق ليس فيها أكراد لنطاق ما أسموه بالإدارة الذاتية، وحربهم على الإرهاب التي كانت ضدّ داعش والنصرة في مناطق حضورهم عدّلوا وجهتها لتنسجم مع الأجندة الأميركية، فحصرت بداعش، وصارت تشمل كلّ الحرب على داعش بما في ذلك في المناطق التي سيدخلونها كقوة غريبة وربما قوة احتلال كتصدّرهم عنوان الحرب في الرقة. ووصل قادة الأكراد لقبول تنازلات طلبها الأميركيون عن علاقتهم بحزب العمال الكردستاني تقرّباً للأتراك فجاءهم الجواب بفتح الحرب التركية عليهم تحت العيون الأميركية.
– يقف الأكراد في سورية اليوم أمام نموذجين مختلفين في معاملتهم، النموذج الأميركي الذي لا يقدّم لهم الحماية عندما تدقّ ساعة المواجهة كما حدث في منبج وقبلها جرابلس ويحدث اليوم، مقابل أنهم أعطوه كلّ شيء، ونموذج الدولة السورية التي نكّلوا بها وأساؤوا إليها فتسامحهم، وتمدّ اليد إليهم، كما حدث في منبج ويحدث اليوم بفتح طريق القامشلي إلى دمشق. ومع توسّع المعارك التركية ضدّ الأكراد ينطرح عليهم الوقوف على مفصل طرق، قبول التحوّل مجرد أداة أميركية لتقرّر لعبة المصالح الدولية والإقليمية مصيرهم، أو التطلع لدور وطني جوهره ومحوره التمسك بالهوية السورية والاحتماء بخطاب وطني سوري، ينطلق من اعتبار الدولة السورية حضناً لجميع أبنائها، ومرجعاً لهم، واعتبار دور الجيش السوري سقفاً لكلّ معادلة أمنية وعسكرية، ولا أحد يطلب اليوم من حزب الاتحاد الديمقراطي حرباً هوائية على الأميركيين، بل الاقتناع بخطورة التحوّل أداة أميركية، والاكتفاء بالعودة خطوة إلى الوراء تقول: لا حرب في الرقة بلا ردع شامل للعدوان التركي.
(البناء)