بقلم غالب قنديل

أخوتنا الأرمن

غالب قنديل

المذبحة البشعة التي نفذها الاحتلال العثماني ضد الشعب الأرمني العزيز في مثل هذه الأيام لم تكن خطة الإبادة الوحيدة التي نفذتها السلطنة العثمانية في حملة شاملة للتطهير العرقي والديني غايتها إخضاع الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال وقمع تمرد النخب القومية المنادية بالاستقلال التي شرعت تظهر في المستعمرات عبر تحركات ثقافية وسياسية كانت تنذر بالتحول إلى انتفاضات شعبية واسعة مع ظهور الضعف والوهن على الإمبراطورية العثمانية خصوصا خلال حرب التطاحن الاستعماري الكونية الأولى.

يومها كان التمييز والاضطهاد العثماني الديني والعرقي يطال شرائح واسعة من العرب مسيحيين ومسلمين وقوميات أخرى منها الأرمن والأكراد وارتكبت مجازر عديدة وعمليات قتل واسعة بحق هؤلاء لإسكات كل صوت اعتراض وإخماد نبض التحرر والاستقلال الذي شرع يطرق أبواب السلطنة المتداعية ومما لاشك فيه ان المذابح التي نفذتها السلطات العثمانية ضد العرب المسيحيين والمسلمين المنادين بالتحرر من الاحتلال كانت متزامنة مع المذبحة الكبرى ضد الشعب الأرمني ولذا استحقت تلك المذبحة اهتماما عربيا كبيرا رسخته حقيقة احتضان العرب في بلاد الشرق وخصوصا في سورية ولبنان للناجين من المجزرة البشعة وبينما أثبت هؤلاء “الوافدون” الذي هجرتهم المذابح الكارثية جدارة عالية بالاندماج وقدرة على الانخراط في الحياة الاقتصادية والاجتماعية كانت تحيط بهم حالة من التعاطف الشعبي والتضامن سهلت مشاركتهم في الحياة الوطنية لكل من لبنان وسورية على وجه الخصوص.

اليوم نشهد في المنطقة فصول إحياء الوهم العثماني بكل عنصريته وعدوانيته وأطماعه بتحريك ورعاية من الغرب الاستعماري الذي ورث الإمبراطورية العثمانية بالهيمنة على بلادنا وهو ما تجلى في الدور الرئيسي لحكومة أردوغان ولتنظيم الأخوان المسلمين في استهداف كل من العراق وسورية ولبنان ومصر واليمن لتنفيذ خطط الهيمنة الأميركية الصهيونية على الشرق العربي.

بدون شك لا يمكن الرد على هذا العدوان الهمجي الوحشي الذي تنفذه عصابات الإرهاب متعددة الجنسيات بعنصرية مقابلة ففي صفوف الشعب التركي شرائح وتيارات رافضة للخطة الاستعمارية ينبغي الاحتفاظ بخطوط التواصل المعنوي والسياسي معها والتوجه إليها بخطاب الأخوة والمصالح المشتركة وتبيان ما تنطوي عليه حروب التوحش الإنكشارية من خطر مدمر على جميع شعوب الشرق بمن فيها الشعب التركي لصالح الاستعمار الغربي والكيان الصهيوني.

أخوتنا الأرمن الذي اندمجوا بجدارة مشهودة في الوطنية اللبنانية والوطنية السورية دون أن يتخلوا عن هويتهم الثقافية الأرمنية وعن علاقتهم بالوطن الأم أرمينيا وحافظوا على شعورهم القومي يستحقون كل تحية وتضامن وهم شاركوا اللبنانيين والسوريين في مقاومة الحروب الصهيونية وفي بذل التضحيات الغالية والنفيسة دفاعا عن لبنان وعن سورية في جميع المجالات.

حقهم علينا هو احترام الخصوصية الثقافية والقومية لجذورهم التي هي موضع اعتزازهم وان يعيشوا المواطنية على قدم المساواة بما اكتسبوه من فعل الانتماء الذي جسدته مساهماتهم الجليلة في الحياة الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ذكرى الإبادة الأرمنية هي يوم حزين لتأكيد هوية شعب مقاوم وهي جزء من التراث الوطني اللبناني لأخوة هم شركاء كاملو الأهلية في هذا الوطن وفي بناء مستقبل بلا تمييز او قهر يتساوى فيه الجميع ويشاركون في رسم ملامحه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى