تقارير ووثائق

تركيا في أزمة سونر چاغاپتاي

 

18 نيسان/أبريل 2017

في استفتاء يوم الأحد، السادس عشر من نيسان/أبريل، فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفارقٍ ضيق، الأمر الذي يوسع سلطاته الى حد كبير، ولكن لا يبشّر بالخير لمستقبل تركيا. وفي أعقاب الاستفتاء، أصبح أردوغان المسؤول التركي الأكثر نفوذاً منذ تأسيس تركيا الحديثة مِن قبل مصطفى كمال أتاتورك في عام 1923. ولكن في حين أنّ نصف الشعب التركي معجب بأردوغان، إلا أن النصف الآخر يمقته. وهنا تكمن الأزمة التركية الراهنة .

يعود سبب هذا الاستقطاب في البلاد إلى سياسة أردوغان الشعبوية. وحيث شغل منصب رئيس وزراء تركيا في الفترة بين عامي 2003 و 2014 ورئيس الجمهورية بعدها، شوّه أردوغان سمعة شريحةٍ من الناخبين واتخذ إجراءات صارمة بحقهم، بدءاً من الأكراد والديمقراطيين الإشتراكيين ووصولاً إلى اليساريين والليبراليين، الذين من غير المرجح أن يصوّتوا له، وذلك من أجل تعزيز قاعدته اليمينية والإسلامية والقومية.

وإلى جانب النمو الاقتصادي القوي الذي شهدته تركيا، ولّدت الاستراتيجية الانتخابية لأردوغان استقطاباً عميق الجذور في البلاد، إذ أن مؤيديه المحافظين، الذين يشكلون حوالي نصف سكان تركيا، احتشدوا حوله بحماسةٍ للدفاع عنه، في حين يسود استياءاً واسعاً من سياسته في صفوف النصف الآخر، الذي عانى من إجحافه. وعلى نحو متزايد، هناك القليل من الأرضية المشتركة بين هذين الجمهوريين الانتخابيين.

وعلى الرغم من أنّه فاز في الانتخابات بشكلٍ ديمقراطي (حتى موعد التصويت في السادس عشر من نيسان/أبريل)، فقد أصبح أردوغان استبدادياً بصورة تدريجية، إذ حرص شيئاً فشيئاً على إبقاء الساحة السياسية غير متّزنة من أجل تفادي إفلات السلطة من يديه. وأفادت “منظمة الأمن والتعاون” في أوروبا، وهي هيئة اوروبية ترصد الانتخابات، في تقريرها الأولي حول الاستفتاء التركي يوم الأحد أنّ حكام المقاطعات عمدوا إلى التطاول على “الحقوق والحريات الأساسية” عبر استخدام “حالة استثنائية من السلطة في حالات الطوارئ” التي أعلنها اردوغان في أعقاب الانقلاب الفاشل عام 2016، لتقييد “حرية التجمع والتعبير“.

وقد رفعت المعارضة التركية نتائج الانتخابات إلى المحاكم، وطلبت أيضاً من مجلس الانتخابات فى البلاد الغاء الاستفتاء. إلّا أنّ المؤسسات التركية متحفظة جداً عندما يتعلق الأمر بإلغاء الانتخابات أو قلب نتائجها. وبالنسبة لأردوغان ومؤيديه فقد انتهى السباق. وبعد ذلك، سوف ينتقل إلى إعادة تشكيل تركيا على صورته متمثلاً بأتاتورك، مؤسس البلاد الذي يريد أردوغان أن يقتدي به ويحل محله.

في أوائل القرن العشرين، أسس أتاتورك تركيا الحديثة كدولةٍ علمانية وأوروبية وغربية. وقد قام بتوجيه موارد الدولة نحو هندسةٍ اجتماعية في إطار تنازلي (البدء بالمفاهيم العليا ثم النزول إلى التفاصيل)، وخاصة سياسة التعليم، من أجل تشكيل الشباب التركي على صورته. واليوم، يريد أردوغان استخدام سلطته في تشكيل تركيا في قالبه الخاص، كبلد شرق أوسطي، ومحافظ وإسلامي سياسياً. وتحقيقاً لهذه الغاية، يسعى أردوغان إلى الاستعانة بأساليب أتاتورك المتعنتة في إطار تنازلي (من الأعلى إلى الأسفل).

إلّا أنّ أردوغان يواجه مشكلةً اليوم: ففي حين وصل أتاتورك إلى السلطة كعميدٍ عسكري، يحكم أردوغان بلاده في ولايةٍ ديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، تنقسم تركيا اليوم إلى النصف بين المعسكرات المؤيدة لأردوغان وتلك المعارضة له.

ومن غير المرجح أن يتمكّن أردوغان من فرض رؤية الإسلام السياسي الخاصة به على المجتمع التركي بأكمله، الذي يتألّف من مزيجٍ من الجماعات الاجتماعية والسياسية والعرقية والدينية، والكثير منهم يعارضون جدول أعمال أردوغان: وفي استفتاء يوم الأحد، صوت العديد من سكان المدن على طول ساحل البلاد بأعداد هائلة ضد أردوغان. حتى أنّ الزعيم التركي قد خسر دعم مدينة اسطنبول، مسقط رأسه والعاصمة التجارية للبلاد.

وقد أصبحت تركيا بكلّ بساطة متنوعة جداً ديموغرافياً، وكبيرة جداً اقتصادياً وأكثر تعقيداً على المستوى السياسي من أن يتمكّن شخصٌ واحد من إعادة تشكيلها على صورته. وعلى الرغم من جهود أردوغان لخلق فئة من الرأسماليين الإسلاميين المحسوبين، على سبيل المثال، فإن الجزء الأكبر من ثروة البلاد لا يزال منحازاً إلى “جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك” [“توسياد”]، التي تُعتبر نادي “فورتشن 500” التركي، المتمسكة بالقيم العلمانية والديمقراطية والليبرالية والموالية للغرب. وطالما أنّ تركيا دولةٌ ديمقراطية بحقّ، لن يتمكّن أردوغان من الاستمرار في الحكم كما يريد. ولهذا السبب تماماً، سيصبح أكثر استبدادياً في المرحلة القادمة، بل قد ينهي الديمقراطية في تركيا.

إلّا أنّ الأحداث في تركيا قد تسير بشكلٍ أقلّ قساوةً تشمل معارضة أردوغان. ومع ذلك، قد يكون هذا البديل طلباً صعباً. ففي الوقت الحالي، يتألّف المعسكر المعارض لأردوغان من تحالف فضفاض يشمل الأتراك والأكراد القوميين، والعلمانيين والمحافظين، والسنّة (وهم من المسلمين المتشدّدين) والعلويين (وهم من المسلمين الليبراليين)، وغيرهم.

وغالباً ما تكون الفجوة بين هذه الفصائل المعارضة أوسع من تلك التي تفصلهم عن أردوغان. وتواجه المعارضة مشكلة أخرى وهي أنه في حين أصبح أردوغان “أتاتوركاً” معارضاً لأتاتورك يشكّل البلاد على الصورة المحافظة والإسلامية الخاصة به – من المفارقات هنا أنّ إرث أتاتورك لا يزال يؤثّر على استراتيجيات “الأتاتورك” الجديد – إلا أن أتاتورك المعارضة (أي أتاتورك الحقيقي) قد توفّي بطبيعة الحال.

ومن أجل التقدّم نحو بديلٍ مجدي لأردوغان، يتعين على الحركة المعارضة المستقبلية في تركيا أن تجمع بين الجناح السلمي للحركة القومية الكردية والأتراك العلمانيين والأتراك القوميين المناهضين لأردوغان وجناح يمين الوسط المؤلّف من الأتراك المحافظين تحت قيادة “أتاتورك” خاص بها، يكون زعيماً يتمتع بشخصية كارزماتية – على الأقل من حيث المبدأ – وذو رؤية توحيدية وكونية ليبرالية. ولم يظهر بعد هذا القائد التركي، إلا أنّه لا بدّ من أن يظهر عاجلاً وليس آجلاً لكي يمنع أردوغان من إنهاء الديمقراطية تماماً في تركيا.

سونر چاغاپتاي هو مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب الجديد: “السلطان الجديد: أردوغان وأزمة تركيا الحديثة“.

“يو إس نيوز أند وورلد ريبورت”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى