أسير أم رئيس؟: نداف شرغاي
الأسير مروان البرغوثي يعتبر نفسه نلسون مانديلا الفلسطيني. مانديلا الحاصل على جائزة نوبل للسلام والذي بقي في السجن في جنوب افريقيا 27 سنة بعد أن تم اعتباره إرهابيا، انتخب في نهاية المطاف رئيسا لجنوب افريقيا وتوفي قبل اربع سنوات.
عضو الكنيست ايمن عودة الذي زار البرغوثي في الزنزانة قبل سنة ونصف قدم له سيرة مانديلا الشخصية التي تتكون من 1400 صفحة. وقد قام البرغوثي بالتهام الكتاب وتبنى نموذج جنوب افريقيا، في الطريق إلى «الرئاسة»، وهو يجري الآن نحو «جائزة نوبل».
السبعة الحاصلون على جائزة نوبل للسلام، ومن بينهم القسيس ديزموند توتو، الذي هو من القادة السود في جنوب افريقيا، ورئيس الولايات المتحدة السابق جيمي كارتر، قاموا بالتوقيع على طلب اطلاق سراحه. توتو والارجنتيني ادولفو فريز اسكبال وقعا على توصية تقترح ترشيح من تم الحكم عليه بخمسة مؤبدات وأدين بالقتل للحصول على الجائزة، وأشارا إلى «التزامه بحقوق الانسان والديمقراطية والمساواة بين الرجال والنساء». وأشارا إلى أنه إذا كان «قاتل» مثل عرفات قد حصل على الجائزة، فلماذا لا يحصل البرغوثي عليها؟.
رغم الماضي الدموي، افكار البرغوثي واضحة في الوقت الحالي، وهو يركز على «نضال الجمهور غير العنيف». اضراب السجناء الامنيين الذي بدأ في هذا الاسبوع، والذي تم بسببه وضعه في العزل، هو حسب التقديرات الأمنية في إسرائيل جزء من انواع «النضال الجديد» مثلما يحاول البرغوثي تصويره، وخطوة سياسية أولى في رحلة طويلة للبرغوثي نحو قيادة السلطة الفلسطينية، هذه الخطوة التي قد تؤدي، عن قصد أو بدون قصد، إلى التصعيد في الميدان.
ينتصر في الاستطلاعات
قبل بضعة اشهر فقط وصل البرغوثي إلى المكان الاول في انتخابات مؤتمر فتح السابع التي جرت في رام الله. وهو لم يخف نيته للمنافسة على القيادة بعد أبو مازن. ولكن أبو مازن في الوقت الحالي على الاقل يفضل أن يكون إلى جانبه آخرون، ويتجاهل الاسير المعروف الذي يحظى بتأييد واسع في الشارع الفلسطيني.
أبو مازن ـ سواء بسبب ضغط إسرائيل أو بسبب خشيته من تضعضع مكانته أو السببين معا ـ يتجاهل عمليا نتائج انتخابات مؤتمر فتح. وقد قام بتعيين جبريل الرجوب الذي وصل إلى المكان الثاني بعد البرغوثي أمين عام للجنة المركزية في فتح، وعين محمود العالول نائبا له في قيادة فتح.
صحيح أن البرغوثي ما زال عضوا في اللجنة المركزية في فتح، لكنه تم ابعاده عن أي دور قيادي، رغم أن استطلاعات الرأي منذ سنوات تشير إلى تفوقه على أي مرشح آخر.
البرغوثي غاضب من أبو مازن ليس فقط بسبب استبعاده عن أي دور أو صفة، بل لأنه يجد صعوبة في التصديق أن أبو مازن قد بذل جهدا جديا لاطلاق سراحه من السجن، في صفقة شليط وفي مبادرات حسن النية لاطلاق سراح السجناء الامنيين، التي تمت على مدى سنوات. والحقيقة هي أن مؤيدي البرغوثي على قناعة بأن أبو مازن ليس فقط لم يحاول اطلاق سراحه، بل لأن وجود البرغوثي في السجن مريح له. رغم نفي أبو مازن ومقربيه، إلا أنه توجد لديه اسباب جيدة لتجاهل البرغوثي، حيث يخشى من تأييد الشارع الفلسطيني له، وهو يدرك أن بعض الموالين له قد أعلنوا عن تأييدهم ليكون البرغوثي رئيسا.
أبو مازن يدرك ايضا أنه توجد صداقة وتعاون بينه وبين عدوه اللدود محمد دحلان، الذي أبعده أبو مازن عن القيادة والتأثير. والبرغوثي مقبول ايضا على بعض قادة حماس، حيث أيدوا بعض الخطوات التي أعدها في السنوات الاخيرة من داخل السجن. في الشارع الفلسطيني يعتبرون أن البرغوثي هو رئيس اركان الانتفاضة الثانية، وأنه قائد شعبي خرج من الاسفل ويشكل بديلا لـ «قيادة تونس» التي جاءت من الشتات وسيطرت على المكان. ولكن الاهم هو أن البرغوثي يهدد بشكل علني قيادة وطريق أبو مازن.
«ثورة بالطرق السلمية»
من مكان اعتقاله في سجن هداريم، يهتم البرغوثي منذ بضع سنوات بما يسميه الاستعداد ليوم التحرر. وهو يؤيد المصالحة مع حماس ويطلب من أبو مازن وقف التنسيق الامني مع إسرائيل ويسعى إلى الغاء اتفاق اوسلو ويؤيد حل الدولتين ويتمسك بحق العودة.
يقوم البرغوثي ايضا ببلورة فكرة واضحة حول التمرد المدني غير العنيف ضد إسرائيل، الذي يسير في اطاره مئات آلاف الفلسطينيين نحو القدس والمراكز السكانية الاخرى في إسرائيل، والاحتجاج ضد المستوطنات في يهودا والسامرة وضد الاحياء اليهودية في شرقي القدس. ويلحقون الضرر بشبكات الهواتف والمياه والكهرباء في المستوطنات. ويسمي البرغوثي خطته «ثورة الشعب بالطرق السلمية». محلل الشؤون العربية آفي يششكروف نشر الخطة لاول مرة في موقع «واللا» قبل سنة. ومنذ ذلك الحين لم تتغير مباديء هذه الخطة.
لقد تبلورت الخطة سرا في النقاشات التي جرت مع اربعة قادة من فتح، كانوا من البارزين في التنظيم في التسعينيات ويعتبرون اصدقاء شخصيين للبرغوثي وهم احمد غنيم، قدورة فارس، سرحان دويكات ومحمد الحوراني. وقد التقى هؤلاء الاربعة مع قادة من حماس مثل خالد مشعل وصلاح العاروري الذي يقف من وراء محاولات تنفيذ عمليات كثيرة ضد اهداف إسرائيلية، لا سيما في يهودا والسامرة.
رغم الغلاف اللامع للخطة، إلا أن الاجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى من أن تكون «ثورة الشعب بالطرق السلمية» غطاء لصراع مزدوج يتم فيه الدمج بين الإرهاب والنضال الشعبي. الاضراب عن الطعام الذي انطلق في هذا الاسبوع، ومقالة البرغوثي في «نيويورك تايمز» عن دافع الاضراب، هي الخطوات الاولى في خطته الكبيرة.
يسعى الاضراب رسميا إلى تحسين ظروف الأسر والحصول على الزيارات وتسهيلات اخرى مثل وضع الهواتف في اقسام السجن والغاء العزل ونقل السجناء المرضى إلى المستشفيات بدل علاجهم في عيادات مصلحة السجون. عمليا، البرغوثي يطمح إلى أكثر من ذلك، وهو يسعى إلى استعادة مكانته التي يعتقد أن أبو مازن قد حرمه منها.
إن البرغوثي يريد رفع دوره القيادي من خلال أحد الامور الاكثر اجماعا في الرأي العام الفلسطيني، وهو مكانة السجناء وحقوقهم والمطالبة باطلاق سراحهم. ويسعى البرغوثي ايضا إلى اظهار مكانته لإسرائيل ولادارة ترامب كشخص له تأثير يجب الاهتمام به والتشاور معه واطلاق سراحه ايضا من خلال قيادة الميدان واشعاله. في يوم الاسير خرج آلاف الاشخاص إلى الشوارع. وما زالت الامور تحت السيطرة، لكن في إسرائيل وفي السلطة الفلسطينية ايضا يعرفون أنه مثلما في السابق، لا حاجة إلى الكثير من اجل تأجيج اللهب. الاحتكاك المتزايد مع عدم ضبط النفس للجنود والمتظاهرين، وموت أحد المضربين عن الطعام، أو عملية إرهابية على أيدي خلايا حماس، التي تحاول دائما القيام بعمليات يتم احباط معظمها.
«ليس اضراب سياسي»
لقد سجل البرغوثي انجازا أوليا: قادة السلطة الفلسطينية وفيهم أبو مازن، وقفوا من وراء الاضراب الذي بادر اليه البرغوثي، وحذروا من التصعيد وتدهور الاوضاع. قدورة فارس المقرب من البرغوثي، ورئيس نادي الاسير الفلسطيني، قال إن الاضراب ليس سياسيا، لكنه اضاف أن هناك امكانية لأن يتطور إلى شيء أكبر، «انتفاضة شعبية من اجل الوحدة الوطنية الفلسطينية».
«نحن نقوم بارسال رسالة واضحة تقول إن الشعب الفلسطيني لم يتنازل عن طريق المقاومة، ومن يضرب عن الطعام في السجن يجب أن يحظى بالتأييد من خارج السجن»، قال فارس. اشرف العجرمي، وزير شؤون الاسرى السابق، حذر من تدهور الاحداث واعتبر أن طلبات البرغوثي والأسرى شرعي. عيسى قراقع، رئيس هيئة الاسرى في «م.ت.ف»، أعلن عن «انتفاضة الاسرى»، واعتبر أن هذا موضوع مقدس. وقد حذر قراقع من أن «حكومة الاحتلال لن تحظى بالهدوء والامن طالما أنها تقوم بالاعتداء على حقوق الفلسطينيين».
لم يكن مفاجئا أن بعض القادة من عرب إسرائيل قد انضموا إلى هذه الخطوة. اعضاء الكنيست يوسف جبارين واسامة السعيد وعايدة توما عبروا عن تأييدهم لمطالب البرغوثي. وقدمت توما طلبا لزيارة البرغوثي والغاء قرار وزير الامن الداخلي جلعاد اردان، الذي يمنع اعضاء الكنيست من زيارة السجناء الامنيين.
إن القرار الذي اتخذه اردان قطع مسيرة اعضاء الكنيست العرب الذين كانوا يزورون البرغوثي على مدى سنوات، في الوقت الذي كانت فيه جهات سياسية من اليسار والوسط في إسرائيل تعتقد وجود امكانية لقيادة قوية يمكن التوصل معها إلى صفقة في اليوم التالي لأبو مازن.
لم يرغب الجميع بهذه القناة. وزير الدفاع السابق موشيه يعلون، ورئيس الشباك السابق آفي ديختر، عارضا بشدة وما زالا يعارضان أي صفقة تؤدي إلى اطلاق سراح البرغوثي. من بين الذين كانوا على صلة معه أو أيدوا اطلاق سراحه يمكن ذكر رؤساء الشباك السابقين كرمي غيلون وعامي ايلون، وكذلك حاييم اورون، رئيس ميرتس السابق، والوزير السابق حاييم رامون، والكاتب عاموس عوز، وعمير بيرتس وتسيبي لفني. وقد وافق اريئيل شارون قبل 13 سنة على اطلاق سراح البرغوثي من السجن في سياق صفقة ممكنة مع الولايات المتحدة مقابل اطلاق سراح جونثان بولارد، إلا أن الأمريكيين رفضوا هذه الفكرة.
لا توجد انتخابات في الأفق
ما زال من الصعب معرفة كيف سيتطور اضراب السجناء الامنيين الذي يرأسه البرغوثي. ولكن كل حكومة إسرائيلية سترغب في المستقبل باطلاق سراح البرغوثي ستضطر إلى أن تفسر للجمهور كيف تقوم باطلاق سراح أسير كان مسؤولا عن خلايا المنظمة وكتائب شهداء الاقصى وقام بتمويل وتسليح خلايا إرهابية وصادق على تنفيذ عمليات وتم اتهامه من قبل الدولة بصلته بـ 37 عملية إرهابية، رغم أنه أدين فقط بخمس عمليات قتل إسرائيليين. كان البرغوثي أحد قادة الانتفاضة الاولى، طرد إلى الاردن وعاد إلى إسرائيل في اطار اتفاقات اوسلو. وانتخب في 1996 للمرة الاولى للمجلس التشريعي الفلسطيني، وفي 2000 تم تعيينه امينا عاما لفتح في الضفة. وقد فوجيء من الانتفاضة الثانية، لكنه تأقلم معها بسرعة وتحول إلى أحد قادتها البارزين.
التنظيم الذي ترأسه البرغوثي تحول إلى الذراع العسكري لفتح، ونفذ الكثير من العمليات ضد الإسرائيليين. وقد نجح البرغوثي في 2001 في التملص من محاولة لاغتياله، وفي عملية السور الواقي بعد سنة تم القاء القبض عليه في الطيرة في رام الله، وتم التحقيق معه واتهامه بعدد من العمليات التي نفذها رجاله.
قال القضاة إنهم حصلوا على أدلة قاطعة عن اربع عمليات كان يعرف عنها وصادق عليها، والتي قتل فيها خمسة اشخاص. العملية في محطة الوقود في جفعات زئيف التي قتلت فيها يوئيلا حن، العملية في مطعم «سي بور ماركت» والتي قتل فيها ثلاثة اشخاص، ومحاولة لتنفيذ عملية في المجمع التجاري في المالحة في القدس والتي انتهت بقتل المخربين بعد انفجار السيارة وهما في طريقهما لتنفيذ العملية، وقتل راهب يوناني في شارع معاليه ادوميم.
رغم أن البرغوثي لم يتعاون مع القضاة، إلا أنه زعم أنه يعارض قتل النساء والاولاد والابرياء، لكن القضاة كتبوا بأن البرغوثي شارك في الاعمال التي أضرت بالابرياء، بما في ذلك العمليات الانتحارية.
من غير المتوقع اجراء انتخابات قريبة لرئاسة السلطة الفلسطينية. إسرائيل وأبو مازن اللذان يخافان من فوز حماس لا يريدان انتخابات كهذه. وايضا احتمال انتخاب رئيس جديد من قبل مصوتي الضفة فقط، بدون مشاركة غزة وشرقي القدس، ليس احتمالا مطروحا. والاقل احتمالا هو أن تقوم إسرائيل باطلاق سراح البرغوثي من السجن، وأن تسمح له بالمنافسة على الرئاسة. وفقط إذا جرت الانتخابات للرئاسة في السنوات القادمة، وتم انتخاب البرغوثي رئيسا، فستجد إسرائيل نفسها تحت ضغوط دولية شديدة من اجل اطلاق سراحه من السجن وفتح صفحة جديدة معه.
إسرائيل اليوم