خمس دلالات لنتائج استفتاء مطعون في تركيا جهاد الزين
20 نيسان 2017
من السذاجة الكاملة الاعتقاد أن الرئيس التركي رجب طيِّب أردوغان وجهازه الحزبي المسيطر على كل مفاصل الدولة كانا سيسمحان بأي صورة من الصور للعبة الاقتراعية الفعلية الدائرة أن تصل إلى حد إعطاء أكثرية، أي أكثرية، لأنصار “اللا” ضد التعديلات الدستورية التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات “سلطانية” وتؤدي عمليا إلى تغيير النظام السياسي التركي في الاستفتاء الذي جرى الأحد.
هناك ملايين الأصوات في أوراق غير مختومة قررت الهيئة المشرفة على الانتخابات في اللحظة الأخيرة قبولها مما كان يحتمل لو لم تُحتسب أن تصبح النتيجة: 52 بالماية لـ”لا” أي لأردوغان مقابل 48 بالماية له أي لنظامه الرئاسي كما صرّح عدد من مسؤولي المعارضة.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات التي يخوضها أردوغان وحزبه العدالة والتنمية منذ العام 2002 التي تعترض فيها المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري على شرعية النتيجة الإجمالية للاستفتاء وتطالب بإعادة فرز بين ثلث إلى 60 بالماية من الأصوات.
فوق كل ذلك دعكَ من مئات الشكاوى على منع الدخول إلى أقلام الاقتراع أو التعدي على الناخبين ومنها أحد الصحافيين الذي رغم وجوده في صحيفة “يني شفق” المؤيدة لأردوغان كان يعارض منحه الصلاحيات، عندما هوجم بالأيدي في أحد أقلام الاقتراع في اسطنبول.
جو بوليسي قمعي كثيف في البلاد منذ أشهر، وهو في الواقع متصاعد منذ سنوات (2013)، يتمثّل بعد المحاولة الانقلابية في الصيف المنصرم في اعتقال ومحاكمة عشرات ألوف من المعارضين بينهم ألف صحافي إما في السجون أو أمام المحاكم وصرف عشرات ألوف من القضاة والضباط والصحافيين والإداريين والأساتذة الجامعيين وإقفال صحف ومحطات تلفزيون وإذاعات… جو كهذا كيف يمكن أن تكون الحملة الانتخابية فيه نزيهة وديموقراطية وبالذات حين يسيطر الحزب الحاكم على كل المساحات الإعلامية الأساسية؟ ورئيس الحزب المعارض الثاني في البرلمان قيد الاعتقال وراء القضبان؟
مع ذلك ولو أخذنا النتائج الأردوغانية للاستفتاء فسيتبيّن أن فيها عددا من الدلالات الجوهرية التي كان يجب أن تجعل استقبال أردوغان للأرقام أكثر حياءً وأقل ادعاءً أو تشاوفا:
1- النتائج جوهريا مناصِفة. المجتمع التركي منقسم إلى نصفين عدديا.
2- النصف المعارض يضم المدن الكبرى اسطنبول وأنقرة وإزمير، والنصف المؤيد يضم الأرياف. هذا له معناه العميق.
3- النصف المعارض لأنه المدن الكبرى يضم النخبة الثقافية الليبرالية المدينية والنصف الموالي فقد معظم نخبته التي كان بينها يساريون في السابق.
4- مراكز الشاطئ الغربي على البحر المتوسط وبحر إيجة من أزمير (68.8) إلى أنطاكية عارضت، شواطئ البحر الأسود أيّدت. أي أن مركزي دعم مشاريع الحداثة منذ العهد العثماني، وهما اسطنبول وإزمير، عارضا.
5- قلب الأناضول أيّد، الأكراد ومدينتهم الكبرى ديار بكر عارضوا في ظروف قاسية في مناطق الجنوب الشرقي حيث وُضِعَت مراكز اقتراع بعيدة في بعض المدن والبلدات المدمّرة. ناهيك عن الأقلية العلوية المعارضة في الأناضول.
هل كان على المعارضة ولاسيما حزب الشعب الجمهوري أن لا يقبل الدخول في لعبة الاستفتاء وهو يعرف أن أردوغان لن يسمح بنتيجة غير الـ”نعم”؟ هذا سؤال صار من الماضي وإن كان من المحتمل أن يحضر في المستقبل في أسئلة المؤرخين وهم يعيدون ذات يوم تقييم هذه المرحلة الأكثر اسودادا من تاريخ تركيا الديموقراطي حتى لو كانت تجري تحت الراية الديموقراطية التي صار ارتفاعها في تركيا يشبه رفعها في دول العالم الثالث الديكتاتورية؟
لا شك أن حزب الشعب الجمهوري صار عليه الآن وهو يقدم الطعن أي يرفع شعار التشكيك بنتائج الانتخابات الاجمالية أن يواجه حقيقة ما إذا كان الشكل المرن بل الرخو للمعارضة التي انتهجها حتى الآن لا زال ملائما لتركيا بل لمصير تركيا؟
الراديكالية في القمع لا بد أن تؤدي إلى الراديكالية في المعارضة؟
لعبة أردوغان تاريخية فعلا وهي تريد إنهاء النظام العلماني التركي، النظام الذي ارتبط باسمه وجود الجمهورية منذ عام 1923 فماذا ستفعل الآن معارضة أصبحت شبه شاهد زور قبل الاستفتاء وها هي اليوم بعده تواجه القرار الذي هربت منه طويلا: هل لا تزال المؤسسات الرسمية العريقة صالحة لحصر الصراع الديموقراطي فيها حيث لا قضاء مستقلٌ ولا إدارة مستقلةٌ وحيث الأجهزة الأمنية مصادرة تماما؟
في العمق يخرج أردوغان من هذا الاستفتاء وهو يعلم أن تركيا العلمانية تقاوم. لكن تركيا، نموذجنا السابق الوحيد المعاصر لمصالحة الإسلام والحداثة، ليست بخير.
عن جريدة النهار اللبنانية