أردوغان: «نصر بطعم الهزيمة» حميدي العبدالله
وسائل إعلام عديدة وصفت انتصار أردوغان في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بأنه «نصر بطعم الهزيمة».
على ماذا استندت وسائل الإعلام هذه لإطلاق هذا الوصف؟
ثمة سببان يجعلان هذا الوصف أقرب إلى الواقعية السياسية منه إلى أيّ شيء آخر.
السبب الأول، أنّ الرئيس التركي كان يراهن على الحصول على نسبة تأييد تقترب من 60 من أصوات الناخبين، وهذه النسبة هي حصيلة جمع أصوات الذين انتخبوا مرشحي حزب العدالة والتنمية في آخر انتخابات برلمانية، وأصوات الذين اختاروا أردوغان لرئاسة الجمهورية في أول انتخابات لرئيس تركيا مباشرة وليس من قبل البرلمان، إضافةً إلى أصوات حزب الحركة القومية، لكن من الواضح أنّ المصوّتين لصالح تمرير الإصلاحات الدستورية، سواء من مؤيدي الحركة القومية، أو مؤيدي حزب العدالة تناقصت بنسبة توازي 8 من أصوات الناخبين، أيّ تناقضت لأكثر من ثلاثة ملايين صوت، وهي نسبة مهمة لا يمكن إدارة الظهر لها.
السبب الثاني، أنّ المدن الكبرى، وتحديداً العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول صوّتت ضدّ التعديلات الدستورية، كما أنّ المدن التركية الواقعة على بحر إيجة، بما في ذلك مدينة أزمير عارضت التعديلات بنسبة عالية جداً وصلت إلى حدود 70 بالمئة، كما أنّ مدينة ديار بكر، والمناطق الكردية عارضت التعديلات الدستورية بنسبة تقترب من 70 .
هذه الأسباب أكدت أنّ الشعب التركي منقسم انقساماً عميقاً حول الموقف من حكم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.
من الناحية القانونية تمّ تمرير التعديلات الدستورية، وبات الطريق أمام إقامة نظام حكم رئاسي فردي ديكتاتوري في ضوء سيطرة أردوغان على البرلمان وعلى القضاء سالكاً ومن دون أيّ عوائق، وليس هناك شكّ في قدرة أردوغان، إذا استقرّت الأوضاع ولم يطرأ شيء مفاجئ، أن يضع هذه التعديلات موضع التنفيذ في عام 2019 وفقاً لما نصت عليه التعديلات ذاتها.
لكن من الناحية السياسية، وبمعزل عما إذا كان هناك تلاعب في نتائج الاستفتاء أم لا، فإنّ مستوى الانقسام الشعبي، وحصول المعارضة على تأييد المدن الكبرى الأكثر أهمية، يفيد بأنّ استتباب الأمور لمصلحة تثبيت النظام الرئاسي على النحو الذي يسعى إليه الرئيس رجب طيب أردوغان، أمر مشكوك فيه، بل أكثر من ذلك قد تتنامى المعارضة بصورة طردية مع بروز السياسات الديكتاتورية على نحو يخلق المزيد من الفوضى والاضطرابات في تركيا من الآن وحتى عام 2019، وقد يؤدّي ذلك إلى نتائج في غير مصلحة الرئيس التركي من بين هذه النتائج تصاعد المواجهة المسلحة في الأقاليم الجنوبية في تركيا، وربما تقود الفوضى إلى حدوث انقلاب عسكري جديد، طالما أنّ أردوغان أقفل طريق التغيير الديمقراطي.
(البناء)