لماذا نحن منحازون إلى كوريا؟
غالب قنديل
كانت شبه الجزيرة الكورية تحت الاحتلال الياباني منذ مطلع القرن العشرين وقد شهدت انتفاضات وهبات شعبية كثيرة وتميز تاريخها السياسي منذ قرون بالتشابك الوثيق مع جارتها الصين سواء على مستوى نظام الحكم الإمبراطوري ام على صعيد الحركة السياسية الوطنية التي تصدت للاحتلال الياباني وساهمت مجموعات من النخب السياسية والثقافية الكورية في الكفاح التحرري الصيني ضد الاستعمار الياباني وفي أربعينيات القرن العشرين تبلورت طليعة ثورية كورية شاركت في نضال الحزب الشيوعي الصيني وجيش التحرير الشعبي بزعامة ماوتسي تونغ وقد انتقلت هذه الطليعة بزعامة كيم إيل سونغ إلى بلادها حيث تأسس حزب العمل الكوري الذي قاد حركة وطنية للتحرر من الاحتلال الياباني ونيل الاستقلال وعندما وقعت معاهدات الاستسلام الياباني بعد الحرب العالمية الثانية تقاسمت القوات الأميركية والسوفياتية السيطرة على كوريا الموحدة التي قسمت إلى شطرين شمالي وجنوبي يفصل بينهما خط العرض 35.
قامت في الشمال جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية التي صمدت في وجه الحصار الأميركي واعتمدت على قدراتها الذاتية في بناء اقتصاد وطني مستقل وامتلكت بجهدها الصناعي منظومات دفاعية رادعة تحسبا للعدوان الأميركي المحتمل في أي وقت وهي تحالفت مع الصين الشعبية منذ انبثاق جمهوريتها الديمقراطية بزعامة كيم إيل سونغ الذي عرف بصاحب نظرية زوتشة أي الاعتماد على النفس باللغة الكورية.
خاضت البلاد ثورة زراعية وثورة صناعية وانطلقت عمليات تنمية شاملة رفعت مستوى التطور العلمي والتقني واستطاع الكوريون بناء قدرات دفاعية جيدة بمعونة سوفيتية وصينية لكنهم تميزوا بالقدرة على نقل التكنولوجيا وتوطينها في بلادهم وتطوير صناعاتهم الحربية الخاصة لضرورات الدفاع فقد تقدم هذا البلد في صناعة الصواريخ التي وصلت إلى مستوى العابرة للقارات كما بنى برنامجا نوويا لتعزيز الردع الدفاعي وهو ما يعني امتلاكه للتكنولوجيا النووية ذروة التطور العلمي الصناعي في العالم المعاصر.
تركز الحملات الإمبريالية منذ عقود على شيطنة هذا البلد المستقل وتحيطه بالشائعات والأكاذيب لتشويه السمعة لكن جميع من زاروا كوريا الديمقراطية نقلوا روايات أخرى عن مجتمع يكافح لحماية استقلاله ونموه بقدراته الوطنية وبدعم مباشر من المارد الصيني فكل ما يقال عن كوريا ورئيسها في وسائل الإعلام الغربية ليس سوى دس واكاذيب تهدف إلى تشويه صورة كوريا كما تشوه صورة سورية وإيران وروسيا والصين لأن كوريا توشك ان تصبح قطبا مهما في جوارها الإقليمي وفي ظل شراكتها مع الصين قد تسقط امامها أسوار مستعمرات اميركية كثيرة اولها كوريا الجنوبية فمع القدرة النووية ستنهض قوة اقتصادية صناعية في بلد انطلقت تنميته من اقتصاد زراعي متخلف وسوق تحت هيمنة الاستعمار عندما اندلعت الثورة الشعبية بزعامة كيم إيل سونغ التي خاضت البلاد بها حرب الاستقلال التي حولتها الإمبريالية الأميركية إلى شبح صدام عالمي مع الاتحاد السوفيتي والصين لتفرض تقسيم كوريا إلى شطرين …
ساندت كوريا الديمقراطية قضية فلسطين ونضال المقاومة الفلسطينية طيلة عقود وهي حليف موثوق لكل من سورية وإيران في وجه الحلف الاستعماري الصهيوني وقدمت مساهمات جليلة لمنظومات الدفاع في البلدين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وقد روى لي الصديق الراحل الأستاذ جبران كورية الناطق الرئاسي السوري السابق ما قال له القائد الراحل الرئيس حافظ الأسد في طريق العودة من موسكو بعد لقاء كئيب مع ميخائيل غورباتشوف: “لم يعد الاتحاد السوفيتي الذي عرفناه موجودا … سنركز جهودنا من اليوم بالشراكة مع إيران على تطوير التحالف مع الصين وكوريا الديمقراطية لتقوية قدراتنا الدفاعية ” .
وفور العودة من موسكو انطلقت عمليا خطة الأسد لامتلاك تكنولوجيا صناعة الصواريخ بمساهمة كورية مكنت العلماء السوريين من تطوير الإنتاج السوري للصواريخ بالتعاون مع إيران التي عقدت معها معاهدة خاصة بهذا الشأن في الثمانينات وجرى في سورية وبخبرات سورية بناء منظومات صاروخية متقدمة شكلت أداة الردع الدفاعي التي عوضت في ميزان القوى تفوق الطيران الحربي الصهيوني وفقا لنظرية حافظ الأسد وهو ما مكن دمشق من دعم فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية بقدرات صاروخية هائلة ما تزال متنامية ومستمرة وسلمت الصواريخ المتطورة للمقاومين اللبنانيين والفلسطينيين من معامل الدفاع السورية وباتت سببا لوجع ورعب عند الكيان الصهيوني وهكذا انطلق تعديل ميزان القوى … لذلك كله نحن معنيون بمساندة كوريا ضد التهديد والغطرسة الأميركية كما نفعل مع دول أميركا اللاتينية.
إن بصمة كوريا الديمقراطية الشعبية وحليفتها الصين موجودة في عوامل القوة الكامنة لدى محور المقاومة الذي استطاع انتزاع زمام المبادرة من الكيان الصهيوني بمنظومة ردع يحسب لها الحساب وصمود كوريا في وجه التهديد الاستعماري والعربدة الأميركي هو من عوامل القوة لجميع قوى التحرر في العالم وفي بلادنا على وجه الخصوص.
– هذا المقال نشر في موقع ” الصين بعيون عربية ” هذا الأسبوع .