مقالات مختارة

خلال عام سُجن 400 فلسطيني للاشتباه بنية تنفيذ عمليات: عاموس هرئيل

 

جميل التميمي، المخرب الفلسطيني الذي قتل طعنا بالسكين الطالبة البريطانية حنا بلدون في القطار الخفيف في القدس أول أمس، هو استثنائي حتى في مصطلح “انتفاضة الافراد” التي تجري بشكل متقطع في السنة والنصف الاخيرين. عدد كبير من منفذي عمليات الطعن والدهس كانوا اشخاص منبوذين وموجودين في هامش المجتمع الفلسطيني. وقد رأوا بالشهادة من خلال تنفيذ العمليات المخرج المناسب من الازمة الشخصية والاقتصادية. ولكن حسب اقوال الشباك فان التميمي الذي يبلغ 57 سنة، والذي قامت الشرطة باعتقاله بعد عملية الطعن، كانت له خلفية استثنائية، ليس فقط بسبب سنه. فقد عانى التميمي من مشكلات نفسية وحكم عليه في السابق بسبب التحرش الجنسي بقريبة له ومحاولته الانتحار في هذه السنة، وقد تم علاجه في مستشفى في اسرائيل.

إن القاسم المشترك بين المخرب من شرقي القدس وبين معظم الفلسطينيين الذين نفذوا العمليات في موجة الارهاب الحالية، التي اعتبر الجيش الاسرائيلي أن بدايتها كانت في 1 تشرين الاول 2015، عند قتل الزوجين هنكين قرب نابلس، هو عدم الانتماء الى أي تنظيم تقريبا. الاغلبية عملوا على مسؤوليتهم مثل التميمي، وفي العادة لم يعتمدوا على أي مساعدة من أحد.

لقد اتخذ هؤلاء الاشخاص قرار تنفيذ العمليات على خلفية تغطية العمليات السابقة وقتل الفلسطينيين على أيدي قوات الامن الاسرائيلية. أو في أعقاب احداث تمت في محيطهم الاجتماعي أو الجغرافي.

لقد كانت الذروة في تنفيذ العمليات في شتاء العام 2016، حيث كانت محاولات تنفيذ العمليات يومية تقريبا، واحيانا كانت عدة عمليات في نفس اليوم، وبشكل متوازي. ومنذ الصيف الماضي تحدث عملية شديدة واحدة كل بضعة اسابيع. بالمقارنة مع الاشهر الاولى توجد الآن محاولة لتشكيل خلايا ارهابية محلية، لكنها هي ايضا ليس لها انتماء تنظيمي واضح. اعضاء الخلايا والمخربين الافراد احيانا، يبذلون جهود أكبر من اجل الحصول على السلاح لزيادة حجم الضرر. والسلاح الاكثر شهرة هو الكارلو المحلي، الذي ارتفع سعره في السوق السوداء في المناطق بأضعاف المرات، وهذا بسبب جهود اسرائيل للوصول الى مخارط هذا السلاح وتدميرها واعتقال تجار السلاح.

عندما يتم الطلب من قادة الاجهزة الامنية في اسرائيل تفسير سبب انخفاض عدد العمليات والمصابين في السنة الاخيرة، يتحدثون عن عدة اسباب منها تحسين جاهزية الجيش الاسرائيلي وعملياته في الضفة الغربية، والشرطة في القدس وزيادة شعور الجمهور الفلسطيني بأن العمليات لم تحقق أي شيء على الصعيد السياسي، وقرار السلطة الفلسطينية الذي جاء متأخرا بضعة اشهر وهو استخدام الاجهزة الامنية من اجل تحذير واعتقال الشباب من الضفة الذين كانوا ينوون تنفيذ العمليات، وتغيير طريقة المخابرات الاسرائيلية تجاه ما يحدث في الشبكات الاجتماعية والانترنت في الجانب الفلسطيني، بشكل يُمكن من الوصول الى المخربين قبل تنفيذ العمليات.

السببان الاخيران مرتبطان ببعضهما. وقد ألمح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى ذلك في عدة فرص عندما ذكر استخدام المعطيات التي يتم جمعها من مصادر مختلفة في الشبكات الاجتماعية، وكيف أن هذا الامر يساعد في احباط العمليات. الشباك وقسم الاستخبارات في هيئة الاركان والقيادة الوسطى قاموا بتجارب أولية لتحسين استخلاص الدروس من النشاطات في الشبكة منذ 2013 – 2014 عندما ارتفع عدد عمليات الافراد. ولكن احباط العمليات حقق تقدما كبيرا في نهاية العام 2015 فصاعدا، عندما تبين أن هناك زيادة في عدد العمليات وأن هذه الظاهرة تغذي نفسها: كل المخربين خرج في اعقابهم اقرباءهم واصدقاءهم على هذه الطريق. وهم يتأثرون من طريقة تغطية هذه العمليات في وسائل الاعلام الفلسطينية ومن ردود الافعال في الشبكات الاجتماعية.

لقد عمل اغلبية المخربين بصورة منفردة، ورغم ذلك تبين بعد تنفيذ العمليات أن معظمهم تركوا علامات تدل على نواياهم. وهذا الامر تطلب النبش أكثر في حياة عشرات آلاف الفلسطينيين الخاصة. وفي الأصل اسرائيل تتدخل في جوانب كثيرة في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد تم طرح موضوع التنصت على مكالماتهم الخاصة في رسالة رافضي خدمة الاحتياط في الوحدة 8200، لكن يبدو أن تحليل توجهات الارهاب لم يبق أي خيار آخر.

إن تنوع العلامات الأولية قبل تنفيذ العملية كبير، والصعوبة الاساسية التي واجهتها الاستخبارات هي التمييز بين التضامن والفرح مع العمليات في الانترنت، مثلما يفعل كثير من الشباب والشابات الفلسطينيين وبين علامات النوايا الحقيقية. خلال اشهر قام الشباك والاستخبارات العسكرية بتطوير طريقة عمل مشتركة كانت لها نتائج كبيرة.

على مدى أكثر من عام تم الكشف عن 2200 فلسطيني بهذه الطريقة، ممن كانوا في مراحل مختلفة من النوايا والاعداد لتنفيذ العمليات، ومعظمها من خلال الطعن أو الدهس، أكثر من 400 شخص منهم تم اعتقالهم من قبل الجيش الاسرائيلي والشباك. وبعضهم تمت محاكمتهم والبعض الآخر اعتقلوا اداريا دون توضيح الشبهات ودون عرض الامر أمام جهة قضائية. وتم اعطاء اسماء 400 شخص آخر للسلطة الفلسطينية، حيث تم اعتقالهم من قبل الاجهزة الامنية الفلسطينية في الضفة الغربية وتم تحذيرهم من تنفيذ العمليات ضد اسرائيليين. أما الباقين فقد كان يتم التحدث مع آبائهم وتحذيرهم من قبل الشباك والجيش. وهذا الاجراء حقق نجاحا كبيرا. ويبدو أن شعور الشباب في الضفة بأن الأخ الاسرائيلي الكبير عيونه مفتوحة، والخوف من عقاب اسرائيل للعائلات عند تنفيذ العملية ساهما بدرجة كبيرة في انخفاض عدد العمليات.

انخفاض عدد العمليات هو تطور مشروط: ازمة سياسية جديدة، أو صراع داخلي في السلطة حول وراثة الرئيس محمود عباس أو حادثة على خلفية دينية، وكل ذلك من شأنه أن يؤدي الى اندلاع العنف من جديد بقوة. وعلى الرغم من ذلك فان كبح الارهاب الذي سيطر قبل سنة على النقاش الداخلي في اسرائيل، والذي نبعت منه قضية اليئور ازاريا، يمكن اعتباره انجازا هاما في السنة الاولى لنداف ارغمان، الرئيس الجديد للشباك.

أرغمان الذي تولى منصبه في أيار السنة الماضية، بادر مؤخرا الى اصلاح داخلي واسع في الجهاز. فقد تم توحيد عدة اقسام من اجل تحسين عملها، وتم الغاء منصبين مشابهين لمنصب الجنرال في الجيش. وقد كان التغيير الأبرز هو توحيد قسم الاستخبارات للعلامات والسايبر والتكنولوجيا في قسم واحد، مع قوة بشرية كبيرة ومصادر كثيرة. جهاز السايبر تم تشكيله في العام 2011، وتوصل الشباك مؤخرا الى استنتاج أنه لا يناسب بشكله الحالي تحديات المرحلة الحالية. الاصلاحات التنظيمية من شأنها أن تعزز القسم الموحد، لا سيما على خلفية ازدياد ارهاب السايبر، وعلى خلفية استخدام الاجهزة الامنية المتزايد للتكنولوجيا في مكافحة الارهاب.

لقد تم توحيد عمليات الارشاد وجمع المعلومات في قسم واحد، وأصبح التجسس المضاد يخضع لقسم اسرائيل والاجانب، حيث تم تقسيم المسؤوليات حتى الآونة الاخيرة الى قسمين مختلفين وحسب طبيعة التهديد (التجسس العربي والايراني في مقابل تجسس دول اخرى). في نهاية 2017 ستنتهي مدة الخطة متعددة السنوات للشباك، والآن يتم العمل على بلورة الخطة الجديدة للسنوات الاربعة القادمة. وأحد الاسئلة التي يجب على الخطة الاجابة عليها تتعلق بمسؤولية قسم الحماية. يبدو أن حجم تهديد الارهاب ومدى خطورته على الشخصيات الاسرائيلية والوفود والممثليات في الخارج وشركات الطيران بحاجة الى اعادة التفكير في طبيعة الاستعداد وتقسيم العمل بين الشباك وبين جهات حماية رسمية اخرى.

لقد وقع الشباك مؤخرا مع قسم الاستخبارات في الجيش على اتفاق جديد للتعاون، شيء يشبه التفاهمات يُقسم العمل بينهما. في السابق تم ترتيب تقسيم المسؤوليات بين اجهزة الاستخبارات الثلاثة الكبيرة – الاستخبارات العسكرية، الموساد والشباك – في وثيقة باسم “الوثيقة العظمى”، لكن هذه الوثيقة لم تعد صالحة على خلفية تغير التهديدات الارهابية التي تواجهها اسرائيل.

التقسيم الجغرافي الذي كان سائدا في السابق بين الاجهزة الاسرائيلية لم يعد مناسبا لأن الشبكات الاجتماعية أصبحت عابرة للدول وتدمج بين اعمال المنظمات المنفصلة في مناطق مختلفة (المساعدة الايرانية في تهريب السلاح للمنظمات الارهابية في قطاع غزة، الغرب ايضا يتدخل في دول مثل ليبيا واليمين والسودان). وقالت مصادر أمنية للصحيفة إنه توجد الآن حاجة الى مستوى أعلى من التنسيق بين اجهزة الاستخبارات المختلفة في عدد من المجالات. وقد ازداد التنسيق في السنوات الاخيرة بين الشباك وبين الاجهزة الاستخبارية الامريكية والاوروبية بسبب الاخطار المشتركة، هذا اضافة الى عمل الموساد والملحقات الاستخبارية للجيش الاسرائيلي.

هآرتس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى