التفاهم بين حزب الله والتيار «يهتز» ولا يقع… «ضربات فوق الزنار» ابراهيم ناصرالدين
من يراهن على «انهيار» التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، لا يعرف عمق العلاقة الثنائية بين الطرفين، ومن يعتقد ان «نبوءة» رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع القائلة بان انتخاب ميشال عون رئيسا ستكون «الخطوة» الاولى لاخراجه من التحالف مع حزب الله قد بدأت تتحقق، يجهل الفرق بين التباين «التكتيكي» الظرفي الحاصل الان، وبين الخلاف الاستراتيجي على القضايا الكبرى الذي لم يهتز يوما… لكن هذا لا يمنع من الحديث عن «اخطاء» ارتكبت كان اكثرها خطورة «استنهاض» البعد الطائفي في الملف الانتخابي، وعدم مراعاة «البرتقالي» لحليفه «الاصفر» في ظل الوضع الاقليمي والدولي الضاغط…
هذه الخلاصة لاوساط بارزة في 8آذار، تشير الى ان التوجيهات كانت من قبل المسؤولين عن لجنة دراسة القوانين الانتخابية في حزب الله واضحة طوال اشهر التفاوض الماضية، «ابحثوا لنا عن قانون يطمئن المسيحيين»، تقنيا وصل هؤلاء الى حد اقصى يتراوح بين 52 و55 مقعداً ينتخب فيه المسيحيون نوابهم..هذه الارقام كانت بمثابة الانجاز الذي افترضت قيادة حزب الله انه لن يلقى رفضا من قبل حليفه «البرتقالي»، لكن الامور ظلت تدور في «حلقة مفرغة» حتى بات الجميع امام المازق الراهن… لماذا؟ لان سلسلة اخطاء شكلية وبنيوية ارتكبت من قبل التيار الوطني الحر الذي تغيرت حساباته الوطنية بعد التحالف مع القوات اللبنانية، ودخل في «نفق» الحسابات الطائفية الضيقة التي لا تنتج مشروعا وطنيا… طبعا ثمة «هواجس» كثيرة لديه ليس اقلها تحول المسيحيين الى 36بالمئة من اللبنانيين مع ارقام تشير الى ان عددهم سيساوي الشيعة او السنة كل على حدا في العام 2023، كما تفيد الاحصاءات التي تتحدث ايضا للمرة الاولى عن تناقص في اعداد المكون الارمني… لكن هذا لا يبرر اخذ الامور باتجاه الصراع الطائفي… ولا يبرر ايضا اهمال كل ما يحصل في محيط لبنان والاكتفاء «بدفن الرؤوس بالرمال» للقول ان كل شيء بخير وكان الساحة اللبنانية جزيرة معزولة….فالحزب اكد على طول الطريق ان حماية المسيحيين ليس في عودتهم الى «التقوقع» وانما في الانفتاح على الاخرين، وهو امر جربه التيار الوطني الحر مع حزب الله وحقق من خلاله ما لم يستطع تحقيقه وحيدا خلال سنوات «النضال»..
وبحسب تلك الاوساط، خلال جلسات التفاوض الطويلة لم تنعكس الاحداث المتسارعة في المنطقة على تليين موقف الوزير جبران باسيل الذي نجح في الفصل التام بين موقعه كوزير للخارجية العارف بأن ثمة «غيوم داكنة» تتلبد في الاجواء الاقليمية، وبين موقعه كرئيس للتيار الوطني الحر حيث لم يقدم على اي مراجعة لاستراتيجية التشدد داخليا في ملف القانون الانتخابي، وعلى العكس من ذلك ابدى «استهتارا» غير مبرر ازاء «حشرة المهل»، وتعامل بلامبالاة مع بدء العد العكسي للانزلاق نحو الفراغ، وقد ضيع من «عمر» التفاوض الجاد اكثر من ثلاثة اسابيع، بسبب جولاته الخارجية، غير الضرورية، دون اي يترك اي هامش للنائب الان عون الذي واصل «المتابعة» دون خوض اي نقاش جدي لاحداث خرق في جدار الازمة، وذلك لانعدام الصلاحيات بين يديه، وكان التواصل على «الواتس اب» سيد الموقف بين استراليا وبيروت «للمواكبة» فقط، بانتظار العودة…
وفي هذا السياق، يدرك التيار الوطني الحر ان حليفه حزب الله دخل في خضم مرحلة جديدة من الصراع من «البوابة» السورية، بعد الغارة الاميركية على مطار «الشعيرات»، اولويات الحزب لا تزال كما هي، «الاستقرار» الداخلي مهم للغاية لحماية «ظهره» في ظل المواجهة المفتوحة على كافة الاحتمالات، خصوصا ان الاميركيين قد بعثوا «برسائل» واضحة بعضها علني واخرى غير مباشرة، وهي تفيد بان حزب الله في سوريا لن يبقى خارج دائرة الاستهداف العسكرية، وتتحدث بعض المصادر المطلعة على الميدان السوري، ان بعض صواريخ «توما هوك» الاميركية لم تضل طريقها عن المطار في حمص، بل استهدفت مواقع كان يستخدمها مقاتلو الحزب في البادية السورية، وجرى اخلاءها قبل الغارات بفعل التحذيرات الروسية… وعلى الرغم من كل هذه التطورات لم يبد باسيل اي ليونة تفضي الى انتاج قانون انتخاب على اساس النسبية يريح الجميع ويؤمن حالة من الهدوء الداخلي بعيدا عن التهديد والوعيد «بالفراغ» الذي سيشرع «الابواب» على فوضى دستورية وسياسية…وقد نصح الحزب التيار الوطني الحر اكثر من مرة بان لا يسمح لمن يريدون التمديد وفي مقدمتهم تيار المستقبل ان يستفيدوا من هذا «العناد» غير المبرر برفض النسبية، ودعوه الى «حشر» الرئيس الحريري من خلال وضعه امام استحقاق القبول بالنسبية او الكشف عن حقيقة نواياه لكن الرفض ظل سيد الموقف… وقد وصل المعنيون بالتفاوض من قبل الحزب في الكثير من الاحيان الى حيرة من امرهم الى حد الشك بوجود تبادل للادوار بين «الرابية» «وبيت الوسط» «لتطيير» الانتخابات؟!
وترى تلك الاوساط، ان المعضلة الاساسية تكمن في تحويل الملف الانتخابي الى مشكلة مسيحية اسلامية غير موجودة على الاطلاق في لبنان او بالحد الادنى لدى «الثنائي الشيعي»، وكذلك يجب الاقرار ان المسيحيين في لبنان ليسوا مستهدفين، هم ليسوا كمسيحيي العراق او فلسطين او سوريا، او حتى اقباط مصر، لا تجوز المقارنة بين الوضع في لبنان وباقي دول المنطقة، فالتهجير في تلك الدول ممنهج بينما لا يمكن لمسيحيي لبنان الحديث عن اضطهاد يمارس بحقهم. واذا ما اخذنا المثال المصري فان ما يحصل هناك امر مختلف تماما، فالمواجهات بين الاقباط وبين المسلمين اصبحت موضوعا رائجا واعتياديا والمشكلة الاساس هناك مزدوجة: سنوات، من الاضطهاد للاقلية المسيحية خلقت مناخا عاما بأن استهدافهم مسموح، وما يزال السماح مؤخرا ببناء الكنائس الجديدة، يغرق في البيروقراطية المفتعلة، وهناك اقصاء عن مراكز اتخاذ القرارات على المستوى الوطني والمحلي، والمشكلة الكبرى قد تكون في التحريض الديني المتطرف ضد المسيحيين، وهناك 3 الاف فتوى على الاقل من الدعاة والفقهاء تتضمن تحريضا، بما في ذلك الدعوى إلى هدم دور العبادة المسيحية، ومنع الاتصال بالمسيحيين او مقاطعتهم لدرجة عدم التحية للمسيحي..فهل يوجد اي من هذا الفكر المتخلف في لبنان..بالطبع لا، وهل ثمة استهداف اسلامي لاجبار المسيحيين على الهجرة؟ طبعا لا… وهل ازمة قانون الانتخاب هي ازمة مذهبية؟ طبعا الامر ليس كذلك… اذا لماذا الاصرار على استنهاض الخطاب الطائفي غير المبرر؟
انها سوء ادارة لهذا الملف، وقصر «نظر» مرحلي لن يفضي الى شيء، المشكلة ليست بنيوية برأي تلك الاوساط، ولذلك فان العلاقة بين التيار الوطني الحر وحزب الله قد «تهتز» ولكنها لن تقع، والاتصالات استؤنفت على اكثر من مستوى «لرأب الصدع»، لان الاسس المتينة التي ولد من «رحمها» التفاهم في مارمخايل لا تزال صالحة لبناء مشروع وطني وتعميمه على الاطراف الاخرى… وما حصل خلال الايام والساعات الاخيرة «لعبة» «عض اصابع» مشروعة، لانها تبقى ضربات «فوق الزنار»…
(الديار)