حرب الوجود للسيسي: تسفي برئيل
ضرب الكنائس هو ضرب للبطن الطرية لمصر. تشكيك بقدرة قوات الامن المصرية في الدفاع عن الاقلية المسيحية، وصفعة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يجتهد منذ بدء ولايته للمصالحة بين النظام وبين المسيحيين.
فأخذ داعش المسؤولية عن العمليتين في الكنيستين لا ينقل الحرب ضد الإرهاب في مصر إلى المستوى الدولي، فهذا استمرار للصراع الجاري منذ سنين بين المنظمات الإسلامية المتطرفة ـ مرة برعاية القاعدة، مرة برعاية داعش واحيانا بلا رعاية على الاطلاق ـ وبين النظام، بغض النظر عمن يكون على رأسه: أنور السادات، حسني مبارك أو السيسي.
هذا قبل كل شيء هو صراع عنيف داخلي احتدم قبل نحو ثلاث سنوات، حين اطيح بمحمد مرسي عن الحكم واعتبرت حركة الاخوان المسلمين منظمة إرهابية. وهو يجري على جبهتين اساسيتين: في شمال سيناء وفي المدن المصرية المكتظة. في سيناء يصاب بالاساس ضباط، جنود وشرطة، أما في المدن فالاهداف هم المدنيون اساسا.
ولكن لضرب الكنائس توجد على الفور نتائج دولية، لإنها تثير اهتمام الاسرة الدولية التي تتأثر بقدر أكبر عندما يقتل المسيحيون مما عندما يقتل المسلمون، الذين يعتبرون جزءا لا يتجزأ من «جمهور الإرهاب» المعروف في الغرب. ولكن حتى لضرب المسيحيين يوجد على ما يبدو مقياس خاص به.
فبينما يعد ضرب المسيحيين في اوروبا او في الولايات المتحدة ضربا «للغرب»، لقيمه وثقافته، فإن ضرب المسيحيين في دولة إسلامية يأتي في مستوى متدن اكثر في «سلم الغضب». فهو يعد مجرد صراع داخلي، طائفي أو ديني ليس فيه ظاهرا تهديد على «الغرب».
هذا التمييز المصطنع والمشوه صحيح على نحو خاص في مصر، حيث ان المواجهات العنيفة بين المسيحيين الاقباط وبين المسلمين اصبحت موضوعا اعتياديا. ففي شهر كانون الاول/ديسمبر الماضي فجرت كتدرائية سانت ماركوس في القاهرة وقتل 28 شخصا. في شهر شباط/فبراير من هذا العام فرت عشرات العائلات المسيحية من العريش بعد أن قتل سبعة مواطنين مسيحيين. وبين هذا وذاك اصيب في القاهرة، وفي جنوب مصر مواطنون مسيحيون في «مشادات محلية».
ان وعود الرئيس للرعاية بحرص زائد على المؤسسات المسيحية وان كانت تجد تعبيرها في تشديد الحراسة عليها، ولا سيما في المناسبات والاعياد، ولكن مثلما تبين في عمليتي امس ايضا، فإن الحراسة غير كافية وغير منهاجية. إذ فضلا عن مراكز التوتر المعروفة، فإن المشكلة الاساس في مصر مزدوجة: سنوات، بل واجيال، من الظلم المؤطر للاقلية المسيحية خلقت اعترافا عاما بأن ضرب هذه الفئة السكانية، ليست حقا قابلة للعقاب وهي امر يمكن احتماله. فالانظمة التي تمنع بناء الكنائس الجديدة، الاقصاء عن مراكز اتخاذ القرارات على المستوى الوطني والمحلي، وطمس التحقيقات بعد المواجهات الفتاكة، هي فقط جزء من اساسات هذه الاجواء.
المشكلة الاخرى، وربما الاكثر جوهرية، هي التحريض الديني المتطرف ضد المسيحيين. فسلطة الفتاوى، السلطة العليا لنشر الفتاوى الدينية وجدت أن 3 الاف فتوى على الاقل من الدعاة والفقهاء تتضمن تحريضا، بما في ذلك الدعوى إلى هدم دور العبادة المسيحية، منع الاتصال بالمسيحيين او مقاطعتهم لدرجة عدم التحية للمسيحي.
ان مبادرة السيسي، التي تتضمن تشريعا جديدا بل وثوريا، والتي تمنح المسيحيين تسهيلات عديدة في بناء الكنائس، لم تغير الواقع بعد، ولا سيما لكونها غامضة وثقيلة من ناحية بيروقراطية.
كما أن دعوته لخطاب إسلامي جديد، ليبرالي، يتعاطى مع الاقليات بشكل متساوٍ تجري بكسل في ظل اعتراضات الفقهاء المحافظين. وعلى جدول الاعمال يوجد الان مشروع قانون يقرر بأن المؤسسات الدينية المخولة فقط سيسمح لها بنشر الفتاوى. ولكن مشكوك فيه أن ينجح في وقف الطوفان. ان اختبار السيسي الذي فتح صفحة جديدة في علاقات مصر مع الولايات المتحدة، سيكون على الاقل ابداء صراع لا هوادة فيه ضد الإرهاب الديني الذي من شأنه أن يكون أخطر من الإرهاب «العادي»، ولا سيما حرف الخطاب الديني ـ الإسلامي نحو اتجاه جديد. فالامكانية الكامنة للانفجار الجماهيري الذي ينطوي عليها هذا النوع من الإرهاب من شأنها أن تحدث سلسلة انفجارات لا يمكن التحكم بها.
هآرتس