من القمة العربية إلى ترامب- منير شفيق
أن يجتمع في القمة العربية في 29/3/2017، في البحر الميت، في الأردن، خمسة عشر ملكا ورئيسا، ولتحمل اسم قمة “الوفاق والاتفاق” يعني ذلك اهتماماً لم يُعهَد، في الأقل، منذ سبع سنوات.
فهذه القمة كما يبدو جاءت لتوقف حالة التدهور الذي عانت منه الدولة العربية عموما منذ سبع سنوات. هذه السنوات تُعتبَر عجافاً لم يسبق لها مثيل منذ أن تشكلت الجامعة العربية بل منذ تأسست الدول القطرية العربية في ظل تجزئة سايكس-بيكو.
فمنذ أطيح بنظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك في كل من تونس ومصر، وما تلا ذلك من ثورات وثورات مضادة، حيث تعرض النظام العربي إلى خلخلة شديدة. وقد سماها البعض زلزالاً، وأمعن البعض الآخر في اعتبارها إيذانا بانتهاء النظام العربي الذي وُضعت أساساته بعد الحرب العالمية الأولى وعلا بنيانه في عهد الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية. ثم ليستقر على أساس اثنتين وعشرين دولة عربية.
وقد انتشر قلق شديد على بقاء حدود دول سايسكس-بيكو ليس الدول التي تعرضت إلى الانقسامات وما يشبه الحروب الداخلية الأهلية فحسب وإنما أيضا امتد القلق إلى الدول التي نجت من ذلك المصير. وقد ظنه البعض زاحفا إليها لا محالة.
ولهذا يمكن القول أن قادة الدول العربية من حضر منهم، ومن أرسل ممثلا عنه، جاؤوا إلى هذه القمة تحدوهم الرغبة، ظاهرا في وقف ذلك التدهور.. الخلخلة الزلزال، أو قل الخطر حتى على وحدة الدولة ووحدة مكوّناتها.
اضطر الوحدويون العرب إلى أن يتحولوا إلى الأشد حرصا على وحدة دولة التجزئة القطرية فيما كانوا قبل ذلك يرون في التجزئة العربية سبباً رئيساً وراء ما أصاب الوضع العربي في عهد الاستقلال من ضعف وتخلف وتبعية واستبداد وفساد وخراب. وراحوا يُصرون على أن الحل لا يكون إلاّ بالوحدة أو الاتحاد أو في الأقل بالتكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة والتضامن العربي.
ولهذا ليس صعبا أن يلحظ المرء مشاعر التعاسة التي تجتاح الوحدويين العرب حين يجدون أنفسهم في وضع أصبح الحفاظ فيه على وحدة الدولة القطرية غاية المنى ودونها الخراب والمصير الأسوأ في ظل تجزيء المجزأ.
على أن رغبة القادة العرب في وقف التدهور واستعادة “الوفاق والتوافق” شيء، وتحقيق تلك الرغبة شيء آخر. لأن المشكل، فيما حصل، أولاً وأخيراً يعود إليهم، مهما حاول من يدافع عنهم بإعادته إلى التآمر الخارجي أو التدخل الخارجي الإقليمي، أو إلى أسباب تتعلق بطبيعة المكوّنات التي تفجرت في وجه الدولة. فإنهم، على تفاوت في المسؤولية هم الداء فكيف يكونون الدواء. وقد انطبق عليهم قول الشاعر”وداوني بالتي كانت هي الداء”. لأن ما يمكن البحث عنه عندهم، أو تأمل تحقيق حده الأدنى ولو بصعوبة، يظل قدرا مقدرا من السوء ما داموا هم الحاكمين، وما دامت موازين القوى الداخلية والعربية والإقليمية والدولية حريصة عليهم. الأمر الذي يفرض البحث عن أدنى الأدنى لأن ما تحته أسوأ. مثلاً، استمرار الفوضى التي توّلد المزيد من سفك الدماء والخراب والتهجير والفتن المذهبية والطائفية والجهوية والإثنية.
وبهذا يكون مؤتمر “الوفاق والتوافق”، أقل سوءا مما قبله، وكذلك من عدم انعقاده. فقد كان على مؤتمر القمة أن يُعيد مقعد سورية لسورية تصحيحا لخطيئة فادحة ما كان يجب أن تُرتكب بحق أيّة دولة عضو في الجامعة العربية إذ من الناحية المبدئية لا يجوز حرمان عضو في جامعة الدول العربية من عضويته تحت أي ظرف من الظروف، أو حجة سياسية من الحجج. وهذا الخطأ حدث مع حرمان مصر من مقعدها في الجامعة العربية، بسبب توقيعها على معاهدة صلح مع الكيان الصهيوني، بالرغم من أن هذه المعاهدة كانت خروجا على ميثاق الجامعة العربية وعلى مسوّغ وجود الجامعة.
ومع ذلك هاهي ذي الآن تتصدر الجامعة ومن دون أن تلغي المعاهدة. فعضوية الجامعة يقوم على أساس هوية البلد والدولة وليس على أساس ما يطرح من سياسات. ولهذا فإن الحفاظ على الجامعة العربية بالرغم من كل ما تستحقه من نقد، يبقى ضرورة عربية، ولا سيما في هذه الظروف التي أصبحت فيها الهوية العربية موضع تشكيك وتجريح لحساب هويات ما أنزل الله بها من سلطان.
هذا وكان على المؤتمر ليكون منسجما مع عنوانه أن يذهب إلى طلب الحوار والتفاهم والوفاق والتوافق العربي-الإيراني-التركي. وليس الإدانة والذهاب إلى الصراع والمواجهة. فالتصحيح يكون بالوفاق والتوافق وليس بالصراع والقطيعة.
ولكن يجب اعتبار السقطة الكبيرة التاريخية في البيان المناداة بعقد مصالحة تاريخية مع الكيان الصهيوني.
على أن الحكم الفيصل على هذا المؤتمر سيظهر من الموقف مما يحمله دونالد ترامب الرئيس الأمريكي من مشروع لقضية فلسطين، ومن أحلاف سيبلوَران بعد لقاءاته بكل من الرئيسين السيسي والفلسطيني والملك الأردني استكمالا لما عقده من تفاهمات مع محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي.
صحيح أن القمة العربية تمسكت وتشددت بما سبق وقدمته قمم أخرى من تنازلات مجانية. مثلاً “حل الدولتين” ومبادرة السلام العربية 2002. وذلك بالرغم مما أصابهما من فشل وإهمال وتعفن، وما جرى تحتهما من استيطان في الضفة الغربية وتهويد للقدس وتطبيع. فقرار حل الدولتين تنازل عن 78% من فلسطين لحساب الكيان الصهيوني والاعتراف به.
وقرار مبادرة السلام العربية أبدى الاستعداد العربي للاعتراف بالكيان الصهيوني إذا ما قامت الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. وهو في القانون الدولي التزام لا يمكن التراجع عنه إذا ما نفذ شرطه. فضلا عما يمنحه من شرعية لدولة الكيان الصهيوني غير الشرعية.
وقد أثبتت التجربة منذ الموافقة على حل الدولتين، وعلى مبادرة السلام العربية، بأنها تنازلات مجانية بلا مقابل عدا الترحيب بها ثم طلب المزيد من التنازلات الإضافية. وها هو ذا ترامب في الطريق ليطلب تنازلات مجانية جديدة بما يتخطى “حل الدولتين” و”مبادرة السلام العربية“.
الأمر الذي يعني أن سمة المعركة السياسية القادمة ستكون في مواجهة ما سيقدمه ترامب من مشاريع، أو صفقات، حل تصفوية للقضية الفلسطينية، وأحلاف كارثية ضد العرب والمسلمين.