الفرات بين «درعه» و«غضبه» محمد نور الدين
أعلنت تركيا عن انتهاء عملية «درع الفرات». وهي عملية عسكرية بدأت في يوم 24 أغسطس/ آب من العام 2016. وهدفت في البداية إلى تنظيف المنطقة المحاذية للحدود التركية داخل سوريا بين مدينتي جرابلس وإعزاز من عناصر تنظيم «داعش». والذريعة أن هذا التنظيم كان يطلق من وقت لآخر صواريخ من داخل تمركزه في سوريا على الأراضي التركية.
انتهت المرحلة الأولى من العملية التي هي الأولى للجيش التركي خارج الحدود منذ التدخل العسكري التركي في شمال قبرص في العام 1974. لكن أنقرة أضافت عنواناً آخر إلى العملية وهو منع مقاتلي قوات الحماية الكردية من أن يتقدموا من مناطق سيطرتهم في عين العرب/ كوباني ومنبج إلى منطقة عفرين في الشمال الشرقي من سوريا. هذا الهدف كان يتطلب أن تتوغل القوات التركية أكثر إلى الجنوب لتمنع القوات الكردية من التقدم من الجنوب إلى عفرين. وقد نجحت تركيا في السيطرة على مدينة الباب وهي آخر معقل ل«داعش» في المنطقة.
بعد الباب رفعت تركيا وعلى لسان رئيس الجمهورية بالذات رجب طيب أردوغان شعار السيطرة على مدينة منبج ومن ثم الرقة. وكان الهدف التركي السيطرة على مساحة خمسة آلاف كم مربع.
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن التركية البريّة والجوية. وكانت الخطوة الكردية في إعلان انطلاق عملية «غضب الفرات» لتحرير الرقة ومناطق أخرى في تحدٍ واضح للجيش التركي. أكثر من ذلك فما كانت أنقرة تراه قريباً لم يكن سوى سراب في صحراء الصراعات والألاعيب الإقليمية والدولية.
ففي لحظة التحضير التركي للتقدم نحو منبج، وبالتالي طرد الأكراد إلى شرق الفرات، كانت ثلاثة تطورات دراماتيكية تلقي بثقلها على مسرح الميدان وتفشل الخطط التركية:
1- تقدم الجيش السوري إلى جنوب مدينة الباب وسيطر على مدينة تادف ومن ثم صعد شمالاً ليتمركز بالتفاهم مع روسيا والأكراد على خط التماس الكردي مع قوات «درع الفرات» غربي مدينة وريف منبج. وبذلك أصبح قبالة الجيش التركي هناك القوات السورية التي أقامت منطقة فصل بين «درع الفرات» و«غضب الفرات». فبات أي تقدم تركي هناك يعني صداماً مع الجيش السوري ومن ورائه روسيا.
2- ظهور دبابات ومدرعات أمريكية مع طواقمها وأعلامها الأمريكية في مدينة منبج ما يعني أن الموجود في منبج ليس فقط قوات سوريا الديمقراطية والكردية بل الجيش الأمريكي وهذا يعني أن تركيا إذا أرادت التقدم فستواجه الأمريكيين.
3- وجاءت الخطوة الثالثة الدراماتيكية وغير المتوقعة بدخول القوات الروسية البرية إلى منطقة عفرين الكردية ورفع العلم الروسي هناك. والرسالة واضحة جداً وهي أن أي محاولة تركية لضرب عفرين تعني صداماً مع الروس.
وهكذا وجد الجيش التركي نفسه على تماس مباشر مع الجيش السوري جنوباً وشرقاً والروسي غرباً والأمريكي شرقاً داخل منبج. وبالتالي بات محاصراً من كل الجهات سوى من جهة الحدود التركية.
هذا الواقع الجديد جعل أي تحرك تركي عسكري في أي اتجاه متعذراً. لم يعد «داعش» موجوداً على خط تماس مع الأتراك ولا مع الأكراد في خط المواجهة.
ورغم ذلك فإنه كان من المتوقع أن تلتزم تركيا بضوابط اللعبة الجديدة. لكن تركيا شاءت أن تعلن أن عملية درع الفرات قد انتهت وبنجاح. هذا طرح تساؤلاً عما إذا كانت الخطوة التالية هي انسحاب القوات من سوريا أم شيئاً آخر.
الجواب لم يتأخر، إذ أعلنت أنقرة أن العمليات العسكرية ستستمر بأسماء أخرى وأن مهمة قواتها داخل سوريا هو ضمان أمن الحدود التركية وتلك المنطقة إلى أن ينتفي مبرر وجود القوات التركية.
يمكن من هذه الزاوية القول، إن تركيا أخطأت في حساباتها، ولم تكن تتوقع أن تصل إلى لحظة شلّ حركتها من جانب القوى الرئيسية في تركيا من النظام ومن روسيا ومن الولايات المتحدة.
ولم تنجح تركيا في السيطرة على خمسة آلاف كم مربع واكتفت بألفين ومئة كم مربع.
ولم تنجح في منع التواصل البري بين منبج وعفرين القائم عملياً من خلال الجيش السوري عبر جنوب منطقة الباب.. ولم تنجح في طرد الأكراد من منبج. وفاقم الوضع تواصل المعارك في اتجاه الرقة بمشاركة الأكراد والأمريكيين من دون أي دور لتركيا، وثانياً المواقف الأمريكية المتتالية حول مصير الرئيس السوري بشار الأسد وأن إسقاطه لم يعد أولوية أمريكية.
في ظل هذا الواقع لا بد أن تركيا تدرس ما الذي يمكن فعله للخروج من مأزقها. والخطر أن تقوم بمغامرة عسكرية غير محسوبة في سوريا أو العراق لتعويض هيبتها المتكسرة، خصوصاً في حال نجحت التعديلات الدستورية في الاستفتاء على إقامة النظام الرئاسي في 16 إبريل/ نيسان الجاري، وفي ظل رفع الصوت التركي ضد رفع علم كردستان في كركوك والتهديد بأن عواقبه ستكون وخيمة؟!.
(الخليج)